الغالب عليهم السحر. وأرى العرب معجزة القرآن. حيث كان الغالب عليهم في عصر الرسول: الفصاحة والبلاغة.
والاقتصار على هذين المرضين، لا ينفي قدرته على شفاء غيرهما بإذن الله. وكما كان يقدر على شفاء المرضى، كان يحي الموتى بإذن الله.
وفي كل هذه المعجزات كان يلجأ إلى الله ويدعوه، فيحقق الله دعاءَه. دون ممارسة الوسائل الطبية. (وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ): وأُخبركم بما تأكلونه في بيوتكم ولم أُشاهده، وما تدخرونه للمستقبل من مال وطعام لا سبيل لي إلى علمه.
والمراد: الإخبار بهذين النوعين بخصوصهما. وقيل: المراد أنه يخبرهم بالمغيبات.
واقتصر على هذين الأمرين، لحضورهما لديهم. فلا يبقى لهم شبهة. ولا شك أن صدقه فيما أخبر به شاهد على صدقه في دعواه الرسالة إليهم.
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ):
هذه الجملة من كلام عيسى حكاها الله تعالى، أو من كلام الله، سبقت للتوبيخ.
والمعنى: إن في ذلك لعلامة لكم على صحة رسالة عيسى، أو أن رسالة محمد الذي أخبر بما لم يعاصره، من غير معالجة أسباب توصله إلى علمه، كما يفعل المنجمون.
أما ما يفعله علماءُ الفلك، من الإخبار عن بعض المغيبات، فناشيء عن قوانين وضوابط، لولاها لما عرفوا ما أخبروا به .. فلا يقال: إنهم أخبروا بالمغيبات.
على أن ما يخبرون به لا يصل إلى درجة العلم المقابل للظن. بل أقصى ما يحصل به هو الظن الغالب -وقد يخطئون- وبينه وبين علم الغيب بَوْنٌ بعيد، بخلاف ما يخبر به المرسلون، فهو من باب العلم الذي لا شك فيه، لأنه إخبار عن الله تعالى. ولذا لا يقع فيه خطأ.
وأما التنبؤ في شئون التجارة والحروب والحظوظ ونحو ذلك، فهو إهدار لكرامة العقل، ومخالف للشرع.
ثم ختم الآية بقوله تعالى: (إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ):
أي: إن كنتم مريدين الإيمان أو موفقين إليه: فذلك الذي تقدم آية لكم تعينكم على تحقيقه.