لما كان الامتراءُ - هنا - بمعنى الشك، فلذا لا يصح أن يكون الخطاب في الآية للرسول، بل لمن يجادله في شأن عيسى، ولكل من يخالجه شك في أمره ﵇.
والمعنى: الحق في شأن عيسى، نازل من ربك أيها المجادل في شأنه. فلا تكونن من الشاكين في أمره، بعدما أسفر الصبح - لذي عينين - بهذه الحجة القاطعة لكل ريب.
ويصح أن يكون الامتراءُ بمعنى المجادلة بالباطل. أي فلا تكونن بعد هذا الحق النازل من ربك، من المجادلين المحاجين فيه بالباطل. والخطاب فيه - كسابقه، لغير الرسول، فإن الرسول لا يجادل بالباطل.
والمعنى: فمن جادلك في شأن عيسى - من بعد ما جاءَك من أدلة العلم - بأنه بشر لا يستحق الأُلوهية، كما هو شأن آدم الذي هو أعجب منه خلقًا، فاترك مجادلتهم فهم مقلدون معاندون: معرضون عن الحق بعد وضوحه. وأفحمهم فقل لهم: تعالوا ندع أبناءَنا وأبناءَكم، ونساءَنا ونساءَكم، وأنفسنا وأنفسكم، ثم يَبْتَهل كل منا إلى الله تعالى ويدعوه، أن يجعل لعنته على الكاذبين منا.
وقد حدث أن النبي ﷺ لما نزلت هذه الآية أخبر وفد نجران بها، ودعاهم إلى الغدو في اليوم التالي، ومعهم نساؤُهم وأبناؤُهم. وحضر الرسول في الموعد، ومعه الحسن والحسين، وفاطمة وعلي، فلم يجدهم. فقد تشاوروا فيما بينهم، فقالوا للعاقب وكان صاحب رأيهم: يا عبد المسيح، ماذا ترى؟ فقال: والله، يا معشر النصارى، لقد عرفتم: أن محمدًا لنبي مرسل. ولقد جاءَكم بالفصل من خبر صاحبكم. ولقد علمتم أنه ما لاعَنَ قوم نبيا قط فبقى كبيرهم، ولا نبت صغيرهم. وإنه للاستئصال منكم إن فعلتم. فإن كنتم أبيتم إلا إِلْفَ دينكم، والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم. فأتوا النبي ﷺ فقالوا: يا أبا القاسم، قد رأينا ألا نلاعنك ونتركك على دينك، وأن نرجع على ديننا. ولكن ابعث معنا رجلا من أصحابك ترضاه لنا: