للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بعد أن أبطل القرآن الكريم - فى الآيات السابقة - بعض مفتريات أهل الكتاب، شرع فى إبطال فريتين أُخريين لهم: إحداهما: تتصل ببعض أحكام الطعام. والثانية: تتصل بالقبلة. وسيأْتي بيان ذلك.

سبب النزول:

ذكر الواحدى فى سبب النزول؛ أنه حين قال النبى : "أنا على ملّةِ إبراهيم" قالت اليهود: وأنت تأكل لحوم الإِبل وأَلبانها؟. فقال النبى : "كان ذالك حلالا لإِبراهيم ، فنحن نحلله" فقالت اليهود: كل شيء نحرمه اليوم، كان محرما على نوح وإبراهيم، حتى انتهى إلينا. فأنزل الله تعالى هذه الآية تكذيباً لهم.

والمعنى: كل الطعام كان حلالا لبني إسرائيل، من قبل أن ينُزْل الله التوراة على موسى. فلم يحرم الله تعالى شيئاً منه، في شرائعه التي أنزلها على إبراهيم وابنه واسحق وحفيده إسرائيل -يعقوب ، إلا ما حرمه إسرائيل على نفسه: اختياراً ونذراً. ولم يحرمه الله عليه ولا على أمته: تشريعاً. وليس صحيحا ما زعموه من أن الطعام المحرم عندهم كان محرما على نوح وإبراهيم وسائر الأنبياءِ، وأن ذالك ثابت فى التوراة - بل هو ابتداع منهم. أو حرّمه الله عليهم بظلمهم كما قال تعالى: ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ﴾ (١).

قل لهم يا محمد: فأتُوا بالتوراة فاتلوها، لتقيموا الدليل بذلك، على أن تحريمها شرع قديم لمن تقدّم من الرسل، إن كنتم صادقين فيما زعمتموه.

وبهذا التحدى، أخزاهم الله وفضحهم؛ إذ لم يقرءُوا التوراة أمامه، حتى لا يظهر كذبهم. وكان هذا من دلائل نبوته .

أما ما حرمه إسرائيل على نفسه، فهو لحوم الإبل وأَلبانها. وكانت أحب الطعام إليه. وسبب ذلك على ما رواه الإمام أَحمد عن ابن عباس . قال حضرت


(١) النساء: من الآية ١٦٠.