عصابةٌ من اليهود نبيَّ الله ﷺ، فقالوا حدِّثنا عن خلالٍ نسألك عنهن: لا يعلمهن إلا نبى. قال: سلونى ما شئتم. ولكن اجعلوا ليَ ذمةَ الله وما أخذ يعقوبُ على بنيه، لئن أنا حدثتكم شيئا فعرفتموه لَتُبَايعُنِّي على الإسلام؟ قالوا فذلك لك. قال: فسلوني عما شئتم. قالوا: أخبرنا عن أربع خلال: أخبرنا: أي الطعام حَرَّمَ إسرائيلُ على نفسه؟ " ثم ذكر بقية أَسئلتهم. وأجاب الرسول ﷺ، عن السؤَال الأول: "أنْشُدُكم بالذي أنزل التوراة على موسى: هل تعلمون أن إسرائيل مرض مرضاً شديداً وطال سَقَمه، فنذر الله نذراً لئن شفاه الله من سَقَمه لَيُحَرِّمَنِّ أحبَّ الأَشياءِ إليه، وأحب الطعام إليه. وكان أحب الطعام إليه لُحْمان الإِبل، وأحبُّ الشراب إليه ألبانَها فقالوا: اللهم نعم. قال: اللهم اشهد عليهم" إلى آخر الحديث.
فهذا الحديث، دل على أَنهم أقروا النبي ﷺ، على أن تحريم لحوم الإبل وألبانها على يعقوب ﵇، لم يكن بشرع الله، بل بنذر يعقوب. فليس من حقهم أن يدَّعوا عموم التحريم، وأن ذلك تشريع نازل من السماء. بل هو أمر شخصي يتعلق بإسرائيل نفسه. . وفاءً بنذره.
فكل نَذْر يجب الوفاءُ به، فى حق صاحبه دون غيره.
ولعل إسرائيل ﵇، اعتبر ذلك قربة إلى الله من جهة ما فيه من قهر النفس، وإبعادها عن أحب ما تشتهيه.
وقهرُ النفس من المقاصد الشرعية.
وبالرجوع إلى التوراة في مظان هذا الموضوع، لم نجد فيها أساساً لدعواهم أن ذلك التحريم شرعه الله في أَي عهد من عهود النبوات، ولا لدعواهم أن التحريم انتقل إليهم من الشرائع السابقة كما زعموا، ولا لدعواهم أن الله حرمها عليهم بتحريم يعقوب لها على نفسه!
ولقد كان اليهود يدعون أن ذلك شرع قديم، ولكن الرسول كشف الغطاء عن الحق فبهتوا، وبان لهم- بذلك- أنهم في ضلالهم يعمهون.
ويرى الإِمام محمد عبده: أَن المراد بإِسرائيل في قوله: ﴿إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ هو شعب بني إسرائيل؛ لأَن هذا هو الذي كان معروفًا بينهم عند إِلاطلاق.