وهذه الآية من تمام المعنى الذي سيقت له الآية السابقة.
أَي لا داعيَ للوَهَن والحزن، فإِن ما أصابكم يوم أُحد من القتل، والجراح والآلام، قد أَصاب كفارَ قريش مثلُهُ يوم بدر، فلم يثنهم ذلك عن معاودة حربكم مع ما هم عليه من باطل. فأَنتم أَولى منهم بالثبات، وأَجدر منهم بقوة العزيمة؛ لأَنكم على الحق.
والإِشارة، إلى أيام الحروب، أو الأيام بعامة. والمداولة: نقل الشيء من واحد إلى آخر. يقال: الدنيا دُوَل. أي تنتقل من قوم إلى آخرين. ثم عنهم إلى غيرهم.
والمعنى: أن النصر تارة يكون للمؤمنين إِذا تمسكوا بإيمانهم، واستعدوا لعدوهم.
وتارة أخرى يكون للكافرين. والله لا ينصر الكافرين إلا ابتلاء للمؤمنين، وتمحيصاً لإيمانهم. ودرسًا يستفيدون منه في مستقبل غزواتهم. حتى لا يعودوا إلى الأسباب التي أدت بهم إلى مثل تلك المحنة.
قال الرازى في تعليل ما يقع من النصر للكافرين: إنه تعالى، لو شدد المحنة على الكفار في جميع الأوقات؛ وأزالها عن المؤمنين في جميع الأوقات، لحصل العلم الاضطراري: بأَن الإيمان حق وما سواه باطل. ولو كان كذلك لبطل التكليف، والثواب والعقاب. فلهذا المعنى تارة يسلط الله المحنة على أَهل الإِيمان وأُخرى على أهل الكفر؛ لتكون الشبهات باقية، وكيف يدفعها بالنظر في الدلائل الدالة على صحة الإسلام، فيعظم ثوابه عند الله. ا. هـ.
وصيغة المضارع ﴿نُدَاوِلُهَا﴾ الدالة على التجدد: تؤذن بأَن تلك المداولة سُنةٌ مسلوكة في جميع الأمم، متجددة فيهم.
﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾:
أَي وتلك الأَيام نداولها بين الناس لوجوه من المصالح، وضروب من الحكم؛ وليعلم الله المؤمنين المتميزين بالإيمان، علما مقترنا بالواقع.