للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمراد بالعلم هنا: العلم التنجيزي بالواقع. وهذا لا ينافى علمه بهم قديمًا.

والمقصود أنه يبرز -في الواقع- ما سبق في علمه عنهم قديمًا من تمييزهم بإيمانهم عن سواهم، لِيُجْزَى كل بما عمل، لا بما علمه الله أزلا في شأنه. وذلك هو المقصود بقوله تعالى: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ (١).

﴿وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾:

هذا سبب آخر لمداولة الأيام بين الناس. والشهداء: جمع شهيد.

أي وليكرم قومًا منكم بالشهادة في الدفاع عن الدين. وتلك كانت أمنيةً لبعض المسلمين، الذين فاتتهم الشهادة في غزوة بدر. أو هو جمع شاهد: أي ليتخذ منكم شهودًا بذلك على الأُمم يوم القيامة، وذلك منصب جليل، لا يستحقه إلا مَنْ وطَّنُوا أنفسهم على التضحيات الجسيمة، الذين بذلوا النفس والنفيس في سبيل الله. هذا وجميع المؤمنين الصادقين، سيكونون شهداءَ على الأُمم السابقة يوم القيامة. كما قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (٢) لأَنهم أهل البذل والتضحية في سبيله، في جميع بقاع الأَرض، حيث ينشرون دعوة دينه الخالد في كل قاصٍ ودانٍ.

ولفظ الاتخاذ ينبيء عن الاصطفاء، ففيه من تشريف المؤمنين ما فيه.

﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾:

جملة متوسطة بين المتعاطفات؛ للإشارة إلى أن الله يبغض الكفار أعداء المؤمنين، فلن ينصرهم عليهم.

وما يكون لهم من نصر في بعض المواطن، فليس ذلك عن حب الله لهم، وإنما لِلْحِكم التي بينها الله في الآيتين السابقتين (١٣٩، ١٤٠) وفي الآية اللاحقة (١٤١).


(١) آل عمران من الآية: ١٧٩.
(٢) البقرة من الآية: ١٤٣.