الغنائم، ظنا منهم أن العدو انهزم: مخالفين أمر الرسول بالبقاءِ في أماكنهم مهما حل بالعدو … ونفذوا رأيهم، وتركوا مراكزهم، وأخذوا في جمع الأسلاب، ولم يبق مع ابن جبير إلا عدد قليل دون العشرة، ففطن المشركون لهذه الثغرة، فقتلوا الرُّمَاةَ، وهاجموا المسلمين منها.
وذلك يقصه الله تعالى بقوله: ﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ﴾:
أي والذي رأوه هو الغلبة على المشركين. وذلك حين صُرع طلحة بن عثمان - صاحب لواءِ المشركين، وصُرع معه تسعة نفر، كانوا حول اللواءِ.
﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا﴾: وهم الذين أرادوا الغنيمة.
قال عبد الله بن مسعود: ما شَعَرنا أن أحدًا من أَصحاب النبي- ﷺ يريد الدنيا وعرضها، حتى كان يوم أُحد!!
﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾: وهم عبد الله بن جبير وأصحابه: الذين ثبتوا معه بعد ترك أصحابهم لهم حتى استشهدوا.
﴿ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ﴾: ثم كفكم عن المشركين، بمنع معونته عنكم، بعد الفشل والتنازع والعصيان. وألقى عليكم الهزيمة؛ ليمتحنكم بالمصائب، فيظهر ما علمه منكم من الاضطراب والفرار، حتى تحذروهما - وأَسبابهما - فيما تستقبلون من قتال الكفار.
﴿وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ﴾: تفضلا لصدور ندمكم على ما وقع منكم.
﴿وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾: بالعفو عنهم، وقبول توبتهم. أَو في جميع الأحوال؛ لأَن الابتلاءَ رحمة؛ لما فيه من تمييز الصادقين من المارقين، وإثابة الصابرين على ما صبروا، كما أن النصر رحمةٌ ظاهرةٌ، ونعمةٌ واضحةٌ.