للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾: فيها إشارة إلى الإيمان القوي، يمحو الخوف من القلوب .. إلا خوف الله تعالى.

قال الإمام محمد عبده: من تدبر هذه الآية الكبيرة حق التدبر، علم أن المؤمن الصادق، لا يكون جباناً. فإن الشجاعة وصف ثابت للمؤمنين الصادقين. إذا شاركهم فيه غيرهم، فإنه لا يدرك فيه مداهم. لأن الكفار والمنافقين. أحرص الناس على حياة، والخوف من الله ليس جبناً؛ لأنه خوف ممزوج بالحب؛ ولأنه خوف موصول بالأمن: ﴿أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ (١) ولأن المؤمنين ﴿لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (٢).

١٧٦ - ﴿وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا … ﴾ الآية.

كان للمنافقين مواقف شائنة في غزوة أحد: أحزنت النبي فإن الرسول - لما وافق على رأي أغلبية المسلمين بالخروج للقاء المشركين خارج المدينة - غضب عبد الله بن أبي ابن سلول - رأس المنافقين - لأنه كان من رأيه البقاء بالمدينة. فأضمر الغدر. فلما كان جيش المسلمين بالشوط - هو بستان بين أُحد والمدينة - رجع عبد الله بن أُبيّ بثلاثمائة من أصحابه. وقال: عصاني محمد، واتبع الولدان - يقصد الشبان - ونسي هذا المنافق: أن عبء القتال يقع عليهم لا على الشيوخ. وأنهم كانوا هم الأغلبية. وقال أيضا: علام نقتل أنفسنا؟ وكان هذا المقال الباطل منه، تبريراً لذلك الموقف الشائن المخذل: الذي أضر بوحدة المسلمين، وهم مقبلون على لقاء العدو.

حينئذ تبعهم عبد الله بن عمرو: والد جابر بن عبد الله. وقال: يا قوم: أذكركم الله أن تخذلوا قومكم ونبيكم. فقالوا: ﴿لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ﴾ (٣) فقال لهم والد جابر: أبعدكم الله، فسيغني الله عنكم نبيه.

ولما فعل عبد الله بن أبي ذلك، همت طائفتان أن تفشلا. وهما: بنو حارثة من الخزرج، وبنو سلمة من الأوس. فعصمهما الله، وعدلتا عما اعتزمتا.


(١) الأنعام، من الآية: ٨٣٢.
(٢) يونس، من الآية: ٦٢.
(٣) آل عمران، من الآية: ١٦٧.