للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولما دارت الدائرة على المسلمين في أُحد، بسبب موقف المنافقين أولاً، وبسبب ترك الرماة أماكنهم فوق الجبل لحماية ظهور المسلمين ثانياً، ورجعوا إلى المدينة تثقلهم الجراح - بعدما استشهد بعضهم - سخر بهم المنافقون، وأظهروا ما في قلوبهم من البغضاء، وقالوا في حق إخوانهم الذين قتلوا في المعركة: ﴿ … لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا﴾ (١) وكانوا - بهذا الموقف - جديرين بما وصفهم به الله: ﴿ … هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ﴾ (٢).

ولما ستعرض الرسول تلك المواقف الشائنة من المنافقين، حزن وتألم. فأنزل الله تلك الآية؛ لتسليته.

والمعنى: لا يحزنك المنافقون الذين يسارعون بما فعلوا في الكفر، فإنه لا يفعل ذلك إلا الكافرون الذين لم تطمئن قلوبهم بالإيمان. والشيء من معدنه لا يستغرب.

﴿إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا﴾:

أي لن يضر دينه شيئاً من الضرر. فإذا كان عملهم هذا أساء إلى الإسلام والمسلمين في غزوة أحد، فلن يؤدي إلى ضعف دين الله. فقد أتم الله نوره. وأظهر دينه على الدين كله "والله غالب على أمره" (٣).

ولقد استفاد المسلمون من هذه الغزوة، إذ عرفوا أعدائهم المنبثِّين فيما بينهم من المنافقين، فأخذوا حذرهم منهم.

﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ﴾:

أي: يريد الله ألا يجعل لهم نصيباً في نعيم الآخرة، بسبب ما أبدوه من أسباب الفرقة والتخذيل والشماتة: فيما أصاب المسلمين، وما انطوت عليه نفوسهم من الكفر بدينه.

﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾: وعقاب أليم، فوق عذاب الحرمان من نعيم الجنة. قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا﴾ (٤).


(١) آل عمران، من الآية ١٥٦.
(٢) آل عمران، من الآية: ١٦٧.
(٣) يوسف من الآية: ٢١.
(٤) النساء، الآية: ١٤٥.