أي: فلما فرض الله القتال على المؤمنين - بعد الهجرة - استولى الخوف - من قتال الكفار - على نفوس فريق منهم، وهم المنافقون، وتهيبوا قتال الناس خشية القتل أو الأسر، وملأ الرعب قلوبهم فأصبحوا يخافون قتال الكفار كخوف المتقين من الله. بل أصبح خوفهم من الناس أَشد من خوف المتقين من ربهم.
أي: وقالوا - في ضيق ورعب وجزع من الموت - يا ربنا، لم فرضت علينا القتال؟ هلَّا أخرت فرضه علينا إلى مدة قريبة؟ حُبًّا في التمتع بالدنيا. والمدة القريبة غير محدودةٍ فهي - عندهم - انتهاء آجالهم دون قتال: أَوْ يَا رَبَّنَا هلَّا زدتنا في مدة الكف إلى وقت آخر: قابل للتجديد؟ حذرا من الموت وهربا من الجهاد. فقال الله لرسوله ﷺ:
أي: قل لهم يا محمد: متاع هذه الدنيا - الذي تودّون العيش من أجله - قصير الأمد، لأن الآجال فيها منتهية. وكلُّ آيلٍ إلى الفناء قليل. وما كان كذلك، فهو لا يستحق الحرص عليه أَو الحزن على فواته. ونعيم الآخرة خير لمن خاف عقاب الله بترك معصيته، ولم يخف من لقاء الأعداءِ. وكان هذا خيرا، لأَنه النعيم المقيم، الدائم لمن أَحسن عملا في هذه الحياة الدنيا، وجاهد في سبيل الله حق الجهاد، واتقى الله، ولم يخش إِلَّا الله. ولن تنقصوا في الدار الآخرة - دار الحساب والجزاء - من جزاء أعمالكم شيئًا وإن قل وكان قدر الفتيلة في شق النواة.
ففي الآخرة، ينال المحسنون والمسيئون جزاءَ ما عملوا. ولا يقع على أَحدهم أي ظلم ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ (١) والفتيل يضرب به المثل في القلة.