والمعنى: إذا كان شأن هؤُلاءِ المنافقين ما قد عرفتم: ردة إلى الكفر. ومحبة منهم لإِضلال غيرهم، فلا يجعل أي واحد منكم لنفسه منهم نصيرا، حتى يَهْجُرُوا شعار الكفر إلى شعار الإيمان، ثم يتركرا دار الكفر إلى دار الإِسلام. لا لغرض من أَغراض الدنيا: وإنما طاعةً لأَمر الله، وفي سبيل الله، ويقطعوا ما بينهم وبين الكفار من صِلاتٍ، وينحازوا إلى صفوف المسلمين بقلوبهم، وواقع سلوكهم، فإِن هؤُلاءِ ليسوا معذورين بالخطإِ أو الغفلة: وإنما هم عامدون قاصدون، فلا يصح أَن يختلف المسلمون في أَمرهم.
أي: فإِن أعْرَضوا عن الإِيمان الصادق، والهجرة الصحيحة، والتمسك بالدين، ولزموا مواضعهم ولم يهجروا دار الكفر، وسائر ما نهى الله عنه - فذلك هو الدليل المادي على أَنهم لا يريدون إِلا الكيد والشر والبقاء على الكفر .. فَأْسِرُوهم إن قدرتم عليهم، واقتلوهم إذا تمكنتم منهم، في أي مكان تجدونهم فيه: دفعًا لشرهم، وردًّا لكيدهم.
أي: ولا تجعلوا منهم - في هذه الحالة - وليًّا يتولى شيئًا من مهام أموركم، ولا نصيرا تستنصرون به على أعدائكم. واقطعوا ما بينكم وبينهم من صلات. إذ العلاقات مع الخبيثين مداخل هادئة لتعشيش الكيد وتفريخه.
وهذا الحكم ليس عاما في كل المنافقين. فلقد كان منهم من يعيشون بين ظهراني المسلمين: وإِنما هو خاص بهذه الفئة التي بدا منها التعبير العملي عن الخيانة والكيد والخديعة، وبكل من يكون على شاكلتها.