وفي هذا القسم من أقسام القتل الخطإِ، لم يوصف المقتول بالإيمان أو الكفر، مما يشعر بأن وجود عهد وذمة بين المسلمين، يسوّى بين الجميع في الدية والفدية.
وبذلك يرتفع الإِسلام إلى أعلى مستوًى من رعاية حقوق المعاهدين والذميين. وهو تشريعٌ في رعاية العهد وحرمة الدم، لا يسَامىَ أبدًا.
وحرمة الدم الإنساني، واضحة في إيجاب عتق الرقيق في جميع حالات القتل، عَدَا العداوة والتحفز والكيد، الأمر الذي يهدر الدم معه، وإذا أُهدر الدم فلا حرمة له.
أي: فمن لم يجد الرقيق بأن لم يملكه، ولا يملك ما يوصله إليه، بأن عجز عن ثمنه، أو عجز عن شرائه مع اليسار بثمنه، فالواجب على القاتل - في هذه الحالة - الانتقال إلى البدل: وهو صيام شهرين متتابعين: لا يقع بين أَيامهما إِفطار بغير عذر يبيح الفطر.
﴿تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ﴾:
أي: شرع الله هذا الصيام، رجاءَ قبول توبة القاتل؛ لأنه - بأَداء هذا الصوم - يقدِّم دليلًا - عمليًا - على صدق توبته ورجوعه إِلى ما أمر الله به من احترام الدماء، وتطهير نفسه بحبسها عن الشهوات شهرين متتابعين: يتوجه المرءُ فيهما إِلى الله، صادقا مخلصا في توبته من الذنوب والآثام.
﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾:
أي: وكان الله - ولا يزال - عظيم العلم بما انطوت عليه النفوس، وأضمرته القلوب، في جميع الأحوال: بالغ الحكمة في كل ما شرعه من الأحكام.
ومما تجدر الإشارة إليه: أَن العلماء اختلفوا فيمن عجز عن الصيام:
فقال بعضهم: يجب عليه إِطعام ستين مسكينا، كما في كفارة الظهار. وإنما لم يذكر التكفير بالإطعام هنا؛ لأن هذا مقام تخويف وتهديد وتحذير، فلا يناسب أَن يذكر فيه الإطعام؛ لما فيه من التسهيل والترخيص.