للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهذه الآية جاءَت بعدها؛ للترغيب في تلك الهجرة: ببيان ثوابها ومنزلتها عند الله تعالى. وكونها طريقا للنصر. وإذلال الأعداءِ، وبابًا واسعا للرزق. وذلك جريًا عام عادة القرآنِ الكريم: من الجمع بين الوعد والوعيد، والترغيب والترهيب.

سبب النزول:

لما نزلت الآيات السابقة في التحذير من القُعُود عن الهجرة؛ خرج ضمرة بن جندب مهاجرًا إلى رسول الله ، فمات في الطريق قبل أَن يصل إلى رسول الله ، فنزلت هذه الآية: ﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ … ﴾ الآية.

أورده ابن كثير، عن ابن عباس.

﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً﴾:

أي: ومن يعمد إلى مثل تلك الهجرة - في سبيل إِعلاء كلمة الله، والمحافظة على دينه - يجد في الأرض متسعًا لهجرته، ورحابًا فسيحة: يستطيع التنقل فيها، والتحول إليها، والاستمتاع بخيراتها. واتخاذ الموقع المناسب لضرب الأعداءِ والنجاة من شرهم.

وفي ذلك ما فيه من الإِهانة لهم، وإرغام أُنوفهم. كما يجد - إلى جانب ذلك - سعة في الرزق، وبسطة في العيش … فلا عذر لأَحد من الأقوياء في القعود عن الهجرة والبقاءِ في دار الكفر: مكتومَ الأَنفاس، متعرضا لأذى الكفار قال تعالى: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ﴾ (١).

وليست الهجرة - بصفة عامة - للهرب من العدو، وإِنما هي ضرب من الجهاد، للقضاءِ على سيطرة الأعداءِ، وتحولٌ من موقع إِلى موقع آخر: يمكن منه ضرب العدو، وإلحاق الأذى والذل به، والتمكن من إِقامة شعائر الدين في حرية وطلاقة.

فهي في الأَصل: الانتقال من مكان إلى مكان. والمراد بها: الهجرة من أَرض الكفر إلى أي مكان يأمن فيه الإِنسان على نفسه وماله ودينه.


(١) العنكبوت، الآية: ٥٦.