وهذه الآية جاءَت بعدها؛ للترغيب في تلك الهجرة: ببيان ثوابها ومنزلتها عند الله تعالى. وكونها طريقا للنصر. وإذلال الأعداءِ، وبابًا واسعا للرزق. وذلك جريًا عام عادة القرآنِ الكريم: من الجمع بين الوعد والوعيد، والترغيب والترهيب.
سبب النزول:
لما نزلت الآيات السابقة في التحذير من القُعُود عن الهجرة؛ خرج ضمرة بن جندب مهاجرًا إلى رسول الله ﷺ، فمات في الطريق قبل أَن يصل إلى رسول الله ﷺ، فنزلت هذه الآية: ﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ … ﴾ الآية.
أي: ومن يعمد إلى مثل تلك الهجرة - في سبيل إِعلاء كلمة الله، والمحافظة على دينه - يجد في الأرض متسعًا لهجرته، ورحابًا فسيحة: يستطيع التنقل فيها، والتحول إليها، والاستمتاع بخيراتها. واتخاذ الموقع المناسب لضرب الأعداءِ والنجاة من شرهم.
وفي ذلك ما فيه من الإِهانة لهم، وإرغام أُنوفهم. كما يجد - إلى جانب ذلك - سعة في الرزق، وبسطة في العيش … فلا عذر لأَحد من الأقوياء في القعود عن الهجرة والبقاءِ في دار الكفر: مكتومَ الأَنفاس، متعرضا لأذى الكفار قال تعالى: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ﴾ (١).
وليست الهجرة - بصفة عامة - للهرب من العدو، وإِنما هي ضرب من الجهاد، للقضاءِ على سيطرة الأعداءِ، وتحولٌ من موقع إِلى موقع آخر: يمكن منه ضرب العدو، وإلحاق الأذى والذل به، والتمكن من إِقامة شعائر الدين في حرية وطلاقة.
فهي في الأَصل: الانتقال من مكان إلى مكان. والمراد بها: الهجرة من أَرض الكفر إلى أي مكان يأمن فيه الإِنسان على نفسه وماله ودينه.