للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأَشدُّ ما حاد عنه أَهل الكتاب، تنزيه الله عن الصاحبة والولد والشريك. فقد جعلوا له صاحبة وولدا، وأَشركوه معه في التقديس، كما أَشرك به المشركون أَنصابهم وسائر آلهتهم فأَي فارق بينهم وبين المشركين في ذلك؟! وكفروا بعصمة الرسل، وأَلصقوا بهم أَحقَرَ التُّهَم، وحرَّموا ما أَحل الله، وأَحلوا ما حرم، وغيروا وبدلوا في كتبهم، ما شاءَ لهم هواهم ..

وإِذا كان أَمرهم وأَمر المشركين كذلك، فلا تغنيهم - جميعًا - دعواهم أَنهم على ملة إبراهيم، فإِن ملته - عليه وعلى نبينا أَفضل الصلاة والسلام - لا تقرهم على هذه المآثم وسواها فهو حنيف. أي مائل الباطل، مقرٌّ للحق الذي جاءَ به النبي تصحيحا للعقائد وأصول الأَحكام الشرعية، وإعادةً بها إلى دين إِبراهيم الذي حرفه هؤُلاء وأولائك.

وإنما قلنا: إِن العقائد وأصول الأَحكام مشتركة بين شرائع المرسلين دون فروع الأحكام، لأَن هذه الفروع، لابد من اختلافها في الصورة والعدد والمواقيت وغير ذلك. مما يناسب الأمة والعصر الذي بعثوا إليها فيه.

وفي ذلك يقول الله - تعالى -: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ (١).

﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾:

أي أَحب الله إبراهيم حبا كاملًا، لا خلل فيه ينقصه عن الكمال.

ويجوز أَن يكون المعنى: أَنه تعالى خصه بكرامة تشبه كرامة الخليل لخليله.

والسبب في اتخاذ إبراهيم خليلا، ما أَظهره من الفقر والحاجة إلى الله تعالى - في شدته ورخائه، وانقطاعه إليه، وعدم التفاته إِلى سواه في محنته. فقد آثر عقيدته - في ربه - على نجاته من النار، التي أراد قومه إِلقاءَه فيها. بسبب توحيده. وعادى - من أَجل ذلك - أَباه، وهَمَّ بذبح ولده الوحيد، امتثالا لأَمر مولاه.

وليس في الآية ما يفيد قصر الخُلَّةِ على إبراهيم فقد اتخذ الله نبينا محمدًا خليلًا أَيضا.


(١) المائدة، من الآية: ٤٨.