المعنى: ومن يعمل شيئا من الأَعمال الصالحات - من الذكور أَو الإِناث - في حال إِيمانه فأولئك المؤمنون الصالحون يدخلون الجنة، جزاءَ إيمانهم وعملهم الصالح، ولا ينقصون شيئًا من الثواب على أَي عمل، ولو كان مشبها للنقير في القلة.
وكما أنه لا ينقص من ثواب المطيع، لا يزاد في عقاب العاصي. فعدالة الله واحدة.
بل العاصي أَولى بذلك؛ لأَن الأَذى بزيادة العقاب، أَشد من انقاص الثواب. فإِذا لم يرض الله - سبحانه - بنقص الثواب، فإنه لا يرضى بزيادة العقاب بالأَولى - فهو الرحمن الرحيم العادل الكريم.
وإنما فصلت الآية فقالت: ﴿مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى﴾: مع شمول ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ﴾: لهما جميعًا. لئلا يتوهم متوهم خصوص هذا الحكم بالذكور، وإن كان هذا الوهم ضعيف البنيان، ولأَن فيه اعتبارًا للمرأَة التي كانوا ينتقصون حقها في الجاهلية. والنقير كما تقدم في المفردات: نقرة في ظهر النواة. يضرب بها المثل في أدنى الأُمور وأَصغرها.
الاستفهام في قوله: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ﴾ بمعنى: النفي الإنكاري.
والمعنى: لا يوجد أحسن - في الدين - ممن أَخلص نفسه وذاته لله، فلم يعرف لها ربًّا سواه، ولم يتوجه بوجهه لغيره سبحانه، ولم يخضع في سجوده إِلا له ﷿: يفعل ذلك كله وهو محسن في عمله، بأَلا يترك واجبًا، ولا يفعل محرمًا.
﴿وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾:
المراد من اتباع ملة إبراهيم: اتباع ملة الإسلام، فإنما هو ملة إِبراهيم ﵇ في العقائد وأصول الأحكام. فمن اتبعها فهو متبع للإسلام الذي جاءَت به ملة إبراهيم. ومن اتبع سواها فليس له من اتباع ملة إبراهيم نصيب، فقد حاد عنها أَهل الكتاب بما بدلوا وغيَّروا من أصول شريعته الموجودة في شرائع الأنبياءِ المرسلين: قبله وبعده، كما حاد عنها المشركون.