أخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن ابن جبير، قال: كان لا يرث إلا الرجل الذي قد بلغ أن يقوم في المال ويعمل فيه، ولا يرث الصغير ولا المرأة شيئًا، فلما نزلت المواريث في سورة النساء، شق ذلك على الناس، وقالوا: أيرث الصغير الذي لا يقوم في المال، والمرأة التي هي كذلك، فيرثان كما يرث الرجل؟! فَرَجَوْا أَن يأتي في ذلك حَدَثٌ من السماءِ. فانتظروا، فلما رأَوا أنه لا يأتي حدث قالوا: لئن تم هذا، إنه لواجب ما عنه بُدٌّ. ثم قالوا: سَلُوا .. فسألوا رسول الله ﷺ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
ورُوِي غير ذلك في سبب النزول ورجح هذا شيخ الإسلام أبو السعود، كما قاله الآلوسي.
ونحن نقول: إن سبب النزول لا يقتضي أنهم لم يسألوا إِلا عما جاء فيه، بل سألوا عن غيره أيضا، ولهذا تضمنت الفتوى جواب سؤَالهم الوارد في سبب النزول، كما تضمنت عدة أحكام، ستأتي في الآيات التالية، تتعلق بأمر النساء.
﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ﴾:
المعنى: ويستفتيك المسلمون - يا محمد - في أحكام الإناث، فيطلبون منك بيان ما يُشْكِلُ عليهم من أحكامهن، مما يجب لهن أو عليهن.
المعنى: قل الله يفتيكم في حكمهن ويبينه لكم، وكذا ما يتلى في أمرهن، مما سبق نزوله قبل هذه الآية، فهو أيضًا يفتيكم، ويبين لكم الحكم الشرعي الذي تسألون عنه.
والمقصود من الآية الكريمة: أن الله سيفتيكم - مستقبلا - فيما لم ينزل حكمه من شأن النساء، وأن ما سبق نزوله فيهن ويتلى عليكم، تظل الفتيا أيضًا في أمرهن، فيكتمل بالفتاوى - السابقة واللاحقة - أحكامهن المشروعة.
وقد أشار المولى سبحانه بقوله:
﴿وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ … ﴾ الآية: إلى ما سبق في صدر هذه السورة عنهن وعن المستضعفين من الولدان، ابتداءً من قوله: ﴿وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ … ﴾ الآية. إلى آخر آيتي المواريث.