وقد يكون نشوز الزوج وإِعراضه عن زوجته بأسباب من غير جهتها، كتأثير ضرة عليه في كراهيتها، أو ظهور امرأَة أخرى لم تكن من قبل في جوهما، فلما تزوجها غيرت مجرى حياتهما، وجرت معها الأمور على غير ما تُشْتَهَى من نشوز أو إعراض.
وكما أَن لكل من النشوز والإِعراض أسبابًا، فإن لكل منهما علاماتٍ وأمارات.
فأمارات النشوز كثيرة، منها: الغلظة والجفاءُ، والضرب، والسب، والتهديد بالطلاق، وأَن يمنعها نفسه ونفقته ومودته. ونحو ذلك.
وأمارات الإِعراض عديدة: كأَن يقلل من محادثتها ومؤَانستها، ويتساهل في تحقيق رغباتها.
والإِعراض يسبق النشوز عادة، فإِذا استمر، أَدَّى إلى النشوز، وإذا استمر النشوز، انتهى إلى الطلاق، كما هو معروف في عادات الناس.
والمراد من خوفها من نشوز الزوج أَو إِعراضه، علمها بذلك، بما بدا لها من أَمارات يقينية أَو توقُّعها إِياه، بما بدا لها من أمارات ظنية.
ولمّا كانت الآية نزلت في شأن امرأَة تخاف نشوز زوجها أو إِعراضه عنها، فذلك يقتضي أنها حريصة على بقائها معه، ويخيفها ما بدا لها منه أَن ينتهى بها إِلى عاقبة لا ترضاها لنفسها، فلذا لم يمنعها الشارع من أَن تتساهل في بعض حقوقها؛ ليتحقق لها ما أَرادته من بقائها معه. فإِنه ﷾ لا يحب أَن تُحْرَم زوجةٌ من بقائها مع زوجها الذي أحبته، وأَن تفجع بفراقه، وذلك بقوله تعالى:
أي: فلا إِثم على الزوجة فيما تفعله لإِصلاح ما بينها وبين زوجها، من إِعفائه من صداقها أَو نفقتها أَو بعضهما، أَو من مسكن أَو كسوة، أَو فيما تعطيه من مالها، أَو فيما تنزل له عنه من نصيبها في القسم، ليعطيه لإِحدى ضراتها: لكي يبقى عليها، ولا إِثم على الزوج في قبول ذلك منها، فإِن ذلك لا يعتبر رشوة مؤَثمة لكليهما. حتى يتحرجا منه. بل يعتبر سبيلا إِلى عودة المودة، واستمرار الزوجية بينهما. وذلك