للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمقصود من الجهر بالسوء: أن تخبر به غيرك .. سواءٌ أكان ذلك بصوت مرتفع يسمعه عدد من الناس، أم بصوت خفيض تخص به بعض الناس؛ فإِن خروج السوء والفحش عن مكنون سريرتك وأَعماق نفسك، إلى غيرك سرًّا أَو علنا، يؤدي إلى الجهر به وإذاعته، وإِلحاق الأذى بسمعة من تحدثت عنه. مما ينجم عنه هبوط المستوى الخلقي للمجتمع كله. وفي ذلك ما فيه من ضرر خطير، تجب مكافحته شرعًا وعقلا.

وخص القول السيئ بالذكر؛ لأَنه الشائع وقت نزول القرآن، فمثله في الحكم كل ما أَدى إِلى الإيذاء من الهمز واللمز والكتابة والتصوير. فكل ذلك حرام.

وقد أَباح الله للمظلوم أن يجهر بالسوء عن ظالمه فقال:

(إِلَّا مَن ظُلِمَ):

أَي لا يحب الله الجهر بالسوءِ، إلا جهر المظلوم بظلمه. فإِن الله لا يَسخطه ولا يعاقب عليه عقاب الجهر بالفحش، بل يقره؛ لأنه من باب الانتصاف من الظالم، ومكافحة الظلم، فصاحب الحق له مقال يرضاه الله ولا يسخطه. قال تعالى: "وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوَلئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبيل" (١).

ولو لم يبح للمظلوم الانتصاف من ظالمه - مهما كان مكانه الاجتماعي - لَبَغَى الناس بعضهم على بعض، ولضاعت القيم الخلقية، باستمرار الظالم في غيه وبغيه. فلذا أُبيح للمظلوم أَن يرد الظالم عن نفسه، حتى يكف الظالم عن العود إلى مثل ما فعل.

وهذا الحق الذي أُعطي للمظلوم، يشمل أن يشكو ظالمه أمام القضاء، بأن يقول: أَخذ مالي، أو اعتدى على أرضي، أو سبني، أَو سب عرضي، أو نحو ذلك من الظلامات. كما يشمل الدعاءَ عليه، كما فعل النبي صلى الله عليه وسم مع قريش؛ إذ دعا عليهم بأَن يجعلها الله عليهم سنين كَسنيِّ يوسف (٢).

وروى أبو داود عن عائشة أنها "سُرِق لها شيء، فجعلت تدعو عليه" أَي على السارق فقال : "لا تسَبِّخي عنه" أَي لا تخففي عنه العقوبة بدعائك عليه.


(١) الشورى، الآية: ٤١
(٢) ورد في الصحيحين ومسند أحمد والترمذي.