ولا يخفى أَن الانتصاف من الظالم، تجب الدقة في تحرِّيه، بحيث يحقق العدالة، ويأْمن الفتنة .. ولهذا يحذر اللهُ بقوله:
(وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا عَلِيمًا):
أي وثبت لله تعالى - قديما - أَنه بليغ السمع، بليغ العلم بكل شيءٍ على ما هو عليه.
ففي ذلك تحذير وتخويف لمن يجهر بالسوءِ والفحش، ومن يتجاوز الحد في الانتصار من ظالمه فإِن من شأْن الإِله - السميع العلم - أن ينتقم ممن يتجاوز الآداب الإِسلامية، ويعتدي على سواه ابتداءً أَو جزاءً.
المراد بالخير: ما يعم كل ضروبه؛ من الصدقة، والكلمة الطيبة، والثناءِ الجميل، والأَمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونحو ذلك من خصال الخير الكثيرة.
والعفو عن المسيءِ داخل في باب هذا الخير الواسع، ومندرج تحت عمومه الشامل، وإنما أَفرده بالترغيب فيه بعد الترغيب في الخير بقوله: ﴿أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ﴾: تنبيها على علو منزلته ومكانته في الخير.
ونظرا لأَن العفو عن المسيءِ هو المقصود الأساسي، ختمت الآية بقوله تعالى:
(فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا):
فَإِن إيراد العفو في جواب الشرط، يدل على أَنه هو العمدة في الكلام، وأنه هو المقصود الأول من هذا الخير المقدم في الجملة الشرطية. ولو كان إبداءُ الخير وإخفاؤُه - مطلقا - هو المقصود الأساسي، لما حسنَ الاكتفاءُ في الجواب بالعفو، بل كان يتضمن جزاء الخير أيضًا.
والمعنى: إن تُظهِروا فعْلَ الخير بأنواعه المختلفة، أو تستروه وتجعلوه سرًّا بينكم وبين ربكم، أو تعفوا عن سوء صدر مِن سواكم نحوكم: من جهرٍ بكلام يؤذيكم، أو إسرارٍ به، أو ظلمٍ لحق بكم منهم، فقد تخلقتم بأَخلاق الله تعالى - فإن الله كان - ولم يزل - كثير