ويكون العفو في أَعلى مراتب الفضيلة، إذا كان مع القدرة على رد السيئة بمثلها.
ويزداد رفعة إِذا قُصِد به وجْه الله تعالى، ولم يقصد به مجرد حسم النزاع، أو الاستجابة إلى شفاعة أحدٍ من الناس، أو غير ذلك من الأَغراض التي لم يدخل فيها جانب الله.
وفي الحديث الصحيح:"وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا يَعْفُو إِلَّا عِزًّا".
وإنما يحسن العفو، إذا كان يؤدي إلى أثرٍ جميل، من حلول السلام محل الوئام، وارتداع المسيء عن إساءَته.
أَما إِن أدّى إلى ضراوة المسيءِ، فإن ردّ إساءَته يصبح واجبا شرعيا.
والشر بالشر، والبادي أَظلم …
وقد فهمنا - من مجموع الآيتين - أَن ردَّ الإساءَة مشروع، وأَن العفو أَولى من الانتقام، ما لم يؤَدِّ إلى استمرار المسيء في إساءته، فحينئذ، يكون الأَخذ بالحق أولى.
وينبغي أن يكون ذلك بطريق القضاء، حتى لا يتفاقم الشر.
وهناك من الجرائم ما لا يصح العفو فيه، ولا السكوت عليه، كالخيانة في أَموال الدولة وإذاعة أسرارها لعدوها. ونحو ذلك من الجرائم ذات الطابع الخطير. فمثل هذه الجرائم، يجب العقاب الشديد عليها، حتى يكون رادعًا لمن تسول له نفسه أن يفعل مثلها.