للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فاليهود؛ كفروا باللهِ تعالى، فجعلوه جسما ينزل إلى الأرض، ويأْكل ويشرب، ويغالب غيره، فَيَغْلِبُ تارة ويُغْلَب أخرى، ويقود جيوشهم، فتنتصر تارة، وتهزم أُخرى. وكفروا بعيسى وبمحمد، وآمنوا بغيرهما. وبذلك فرقوا بين الله ورسولَيْهِ اللذَيْنِ لم يؤْمنوا بهما، وأَقصوهما عن شرف الرسالة.

وبذلك آمنوا ببعض الرسل، وكفروا بالبعض الآخر، وخالفوا بذلك أمر الله، وكانوا به كافرين بجميع الرسل.

والنصارى؛ كفروا باللهِ تعالى - فجعلوه جِسْمًا، وأبا، وثالث ثلاثة، وكفروا بمحمد وآمنوا بغيره.

وبذلك فرقوا بين الله تعالى، وبين رسوله محمَّد. ونحَّوْهُ عن شرف الرسالة. فقد آمنوا ببعض الرسل، وكفروا بالبعض الآخر، وكانوا - بذلك - كافرين بالرسل جميعًا.

فقد صاروا - بكفرهم ببعض الرسل - كافرين بالرسل جميعًا؛ لأَن دين كل واحد منهم هو دين الله، فالكفر به - مع أحدهم - هو بمثابة الكفر بما جاءَ به سائر الرسل، ولأَن كل رسول أوصى أُمته: أن يؤْمنوا بالرسل الذين يبعثهم الله بعده. فمن كفر بأَحدهم، فقد كذب الرسل الذين سبقوه، وجحد وصيّتهم.

وبعض المفسرين لم يخص الآية باليهود والنصارى، بل جعلها شاملة لأَصناف ثلاثة:

الصنف الأَول: من كفر باللهِ فأَنكر وجوده، وكفر برسله فأَنكر النبوات، لأَن من أَنكر وجود المرسل، أنكر وجود الرسل. وهذا هو المقصود بقوله تعالى:

﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ﴾:

ويمكن أن يدخل - في هذا الصنف - المشركون بالله.

والصِّنفُ الثاني: مَن آمن بالله وكفر برسله، وهو المعنى بقوله تعالى:

﴿وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ﴾:

أَي: والذين يريدون أن يفرقوا بينه وبينهم في الإيمان، فيوجبوا الإيمان به، وينفوا وجوب الإيمان بالرسل، لأنهم ينكرون النبوات.