للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على موسى جملة واحدة؛ ليكون ذلك - في نظرهم - آية على نبوتك، غير مقتنعين بأَن ينزل الله عليك وحْيًا شفويا، ويقولون: لا نبايعك ولا نؤْمن بك حتى يُنَزّلَ عليك الكتاب كما سأَلنا.

﴿فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً﴾:

أَي لا تبال بتعنتهم وعنادهم، فذلك طبع جامح يجري في دمهم. فقد سأَل آباؤُهم موسى سؤالا أكبر مما سأَلوك، فقالوا له: أرِنا الله جهرة وعلانية، حتى نعلم - منه - انه أَرسلك. فإِن لم تفعل فلن نؤْمن لك.

وذلك ما حكاه الله عنهم في سورة البقر بقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً … ﴾ (١) فالتعنت الذي تراه في أحفادهم المعاصرين لك يا محمَّد، أَمرٌ موروث عن آبائهم، وخُلُقٌ قديم انتقل من أصولهم إليهم، والشيءُ من معدنه لا يستغرب.

ونسبة ما قاله آباء اليهود الأَولون إلى أَحفادهم المعاصرين للنبي من باب نسبة الذنب. إلى النوع كله - كأَنه جِبلَّة وطييعة - كما ينسب ذنب بعض أفراد القبيلة إلى القبيلة كلها، وذلك على حد قول الشاعر:

قوى همو قتلوا أميم أخي … فإِذا رميت يصيبني سهمي

﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ﴾:

من معاني الصاعقة: العذاب المهلك.

والمعنى: أَن الله تعالى أهلكهم بما شاءَه من أسباب الإهلاك لتجاوزهم حد الأَدب والحق، حين طلبوا معاينة الله ليؤْمنوا برسوله موسى .

والظاهر أن الإهلاك كان لأَصحاب هذا السؤال الفاجر، لا لكل اليهود.

﴿ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾:

أي ثم اتخذ بنو إسرائيل العجل معبودًا لهم، من بعد ما جاءَتهم الأدلة الواضحة الشاهدة بوحدانية الله، النافية لعبادة آلهة سواه.


(١) سورة البقرة، من الآية: ٥٥.