للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فلقد أَراهم الله - على يد موسى - آيات عظيمة، لا يصح - معها - أن يهدروا عقولهم فيعبدوا عجلًا لا حول له ولا قوة!!

أَفلم يشقّ لهم الله اثنى عشر طريقا في البحر: يتخللها الماءُ كالطود العظيم؟

أَفلم يفجَّر لهم اثنتي عشرة عينا، قد علم كل أُناس منهم مشربهم؟

أَفلم يَرَوا العَصَا تبتلع ما جاءَ به السحرة من السحر العظيم؟

أَفلم يشاهدوا الطوفان والجراد والقُمَّلَ والضفادع والدم؟

إلى غير هذه الآيات.

وقد جاءَت هذه الآيات كلها، بدعوة موسى ربه، ولكنهم: عُمْيُ العيون فلا يبصرون، غلْف القلوب فلا يعقلون.

فلا غرابة في أَن يطوفوا حول عجل جسد يعبدونه.

﴿ … أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ﴾ (١).

وليس المراد بالآيات التوراة فقد جاءَتهم بعد عبادتهم العجل، حيث كان موسى في ميقات ربه الذي آتاه التوراة بعده وكانوا هم في هذه الفترة - يعبدون العجل الذي صنعه لهم السامري ثم جاءَ موسى بالتوراة، فرآهم على تلك الحال فغضب، وألقى الألواح، وعاتب أَخاه هارون على ما حدث.

وسيأتي بيان ذلك في سورتي: الأعراف، وطه.

﴿فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا﴾:

أَي فعفونا عن اتخاذهم العجل معبودا بعد ما تابوا، وآتينا موسى تَسَلُّطًا بَيّنا واضحًا على قومه، فَقوىَ فيهم أَمره، وضعفت معارضتهم له، وظهر انكسار نفوسهم، فقبلوا أَمره أَن يقتلوا أَنفسهم - بالندم والحزن - على ما صنعوا توبة منهم.

وفيما تقدم، بشارة للنبي صلى الله عليه وسم - بأَن الله تعالى سيعاقب معانديه من اليهود على تعنتهم كما عاقب أسلافهم، وأن أَمره فيهم، سيكون ذا سلطان بيّن، وقهر ظاهر.


(١) الأعراف، من الآية: ١٤٨.