وهذا ما حدث له فيهم بعد ذلك: عن القتل والإِجلاءِ، جزاءَ ما صنعوا معه ﷺ، من نكث العهود والخيانة في أَوقات الشدة.
١٥٤ - ﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ … ﴾ الآية.
لمَّا جاءَهم موسى بأَلواح التوراة، استثقلوا العمل بما جاءَ فيها من التكاليف، فلم يأُخذوها بعزم وقوة. بل بتثاقل وتراخ وامتناع؛ لأَن قلوبهم لا تزال مشدودة إلى عبادة العجل. فلذا، رفع الله فوقهم الجبل، تهديدا لهم، ليقبلوا العمل بالتوراة، ويأُخذوها بقوة وعزم، ويعطوا الميثاق والعهد على ذلك.
وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (١).
وهكذا كان شأُن اليهود: عصيانٌ لما يؤْمرون به، وعقابٌ أَو تهديد بعقاب من الله، حتى يستقيموا على العبادة.
والمعنى: ورفعنا فوقهم الطور بسبب ميثاقهم ليعطوه، ويتعهدوا بالعمل بالتوراة.
﴿وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا﴾:
المراد بالباب؛ باب القرية التي أمروا بدخولها، بعد أَن يخرجوا من التيه.
والقائل هو الله ﷾ على لسان نبي من أَنبياءِ بني إسرائيل وهذا النبي هو موسى ﵇.
ويشهد له ما سبقه من الحديث عن إيتاءِ موسى سلطانا مبينا، ومن رَفْع الطور فوقهم، فإن ذلك كان في عهد موسى.
والمراد باالسجود، الخضوع أَو الركوع.
وقيل: إِن القائل عن الله تعالى، هو النبي يوشع. فإِن الظاهر أَن قوله:
﴿ادْخُلُوا الْبَابَ﴾: أَمرٌ بدخول القرية بعد فتحها. وموسى ﵇ لم يدخل تلك القرية؛ لأَنها فتحت بعد التيه بقيادة يوشع.
وموسى ﵇ توفي أَثناء التيه.
واختلف في هذا الباب الذي أُمروا أَن يدخلوه سجدا. فقيل: هو باب بيت المقدس.
(١) سورة الأعراف، الآية: ١٧١.