أَي: وأَرسلنا رسلا قد سميناهم لك في القرآن، وعرفناك أَخبارهم، ومَن بعثوا إليهم من الأُمم، وذكرنا لك ما وقع بينهم وبين أَقوامهم، من قبل نزول هذه الآيات مثل: صالح، وهود، ولوط وغيرهم من المرسلين.
﴿وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ﴾:
أَي وأَرسلنا كذلك رسلاً كثيرين لم نذكر لك قصصهم في القرآن، وَلَم نوحِ إليك بهم في غير القرآن، ولم يقدح في نبوتهم عدم إِنزالِ كتاب من السماء جملة واحدة، أَو كتاب موجه إِلى زعماءِ أَقوامهم يشهد بصدقهم فيما بلغوه إِلى أُممهم، كما طلب المتعنتون ذلك منا يا محمَّد.
﴿وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾:
أَي وكلم الله موسى - بدون وساطة الروح الأَمين جبريل - تكريما له ﵇.
والتكلم - بغير واسطة - أَعلى مراتب الوحى. خص به موسى من بين سائر الأَنبياء غير محمَّد صلى الله وعليه وسلم، ولم يكن تخصيصه بذلك قادحا في نبوَّتهم، فكيف يتوهم أَن يكون نزول التوراة عليه جملة واحدة قادحا في نبوة محمَّد ﷺ بسبب نزول القرآن عليه مفصلا ومفرقا حسب الوقائع، مع أَنه أُنزل مفرقا لحكم اقتضت ذلك. أَظهرها التدرج بالمرسل إليهم، وعدم الإِثقال عليهم حتى لا يملوا!
والعرب تسمى الكلام الذي يصل من متكلم إلى إِنسان ما، مباشرة، أَو بواسطة مبلِّغ، أَو بأَي طريق تسميه: كلاما، إِذا لم يؤكد بالمصدر، فإِذا أُكد بالمصدر، لم يكن المراد إِلا حقيقة الكلام المباشر، بدون واسطة مبلغ أَو غيره. كما في الآية الكريمة، لأَن قوله تعالى:(تَكْلِيمًا) مصدر مؤكد لقوله تعالى: (وَكَلَّمَ).
ومما تجدر الإِشارة إِليه: أَن الله ﷾ كلَّم محمَّد ﷺ بدون وساطة جبريل ليله الإِسراءِ والمعراج (١)، كما فضَّله على سواه: بأَن أَعطاه مثل ما أَعطى سائر الأَنبياء
(١) كما ورد في أحاديث الإسراء والمعراج في كتب الصحاح.