الموالاة منهم، وأنه هو ما استقر في قلوبهم من النفاق والحقد على محمَّد ﷺ والشكِّ في صدقه، فلا إِيمان يملأُ قلوبهم، ولا يقين - برسالته - تعمر به نفوسهم. ولذا، تراهم مسارعين إِلى تحقِيق مودتهم لليهود والنصارى ومعاونتهم في حرص شديد، وعناية فائقة. كما أَفاده التعبير بقوله:(يُسَارِعُونَ فِيهِم) دون التعبير بلفظ: يُسارِعُونَ إِليْهِم: إِذ معناه؛ أَنهم مستقرون في مودتهم.
وإِذا كانوا مستقرين في موالاتهم: فالمسارعة فيا بينهم - إِنما تكون في الانتقال من مرتبة من مراتب الموالاة، إِلى مرتبة أُخرى أكثر أو أكبر.
(يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ):
أَي يقولون - معتذرين عن تلك الموالاة - بأَننا إِنما نفعل ذلك؛ خوفا من أن يدور الدهر علينا: إِما بقحط أو جدب، فلا يعطوننا طعامًا ولا مالا. وإما بانقلاب الأمر … فتصبح - بتلك الوسيلة الحمقاء - الدولة للكفار، والغلبة لليهود والنصارى على المسلمين، فيدور الأمر كما كان قبل ذلك، فلا يتم لمحمد ﷺ شأْن، ولا يدوم له نصر. فرد الله على هؤُلاءِ المنافقين فيما اعتذروا به بقوله تعالى:
(فَعَسَى اللهُ أَن يَأتِيَ بِالْفَتْحِ):
وهو وعد من الله تعالى لرسوله وللمؤْمنين بأَن يحقق لهم الغلبةَ على أَعدائهم والقضاءَ عليهم.
والمراد بالفتح الذي يأْتي به الله تعالى: نصرُه سبحانه لرسوله ﷺ على من خالفه، وإِعزازُ الإِسلام، وإِظهارُ المسلمين على أَعدائهم، أَو هو فتح مكة، أو فتح قرى اليهود كخيبر، وفدك، أَو فتح بلاد المشركين للمسلمين - وكل ذلك قد كان.
(أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ):
أَي أَو أَن يأْتي الله بأَمر من عنده، وهو القضاءُ على اليهود، وقطع دابرهم، واستئصال شأْفتهم، بقارعة تصيبهم.
أَو هو الخصْب والسعة للمسلمين، بعد الذي كانوا فيه من ضيق العيش وشدة الحياة.