ومناط التوبيخ والإنكار، هو كفرهم ببعضها مع إيمانهم ببعضها الآخر، وسمى عصيانهم بالقتل
والإخراج من الديار كفرا، إبرازا لشناعة ما ارتكبوه، بتنزيله منزلة الكفر بأحكام التوراة.
لذا توعدهم الله، تعالى- عل عصيانهم بنقضهم الميثاق النزل منزلة الكفر- بالخزي العاجل في الحياة الدنيا، والعذاب في الآخرة. فقال تعالى:
﴿فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ﴾: فالإشارة في قوله ﴿ذَلِكَ﴾: راجعة إلى القتل والإخراج من الديار: الذين نقضوا بهما عهد الله بغيا وكفرا.
والمراد بالخزي في الحياة الدنيا، الذل والهوان مع الفضيحة بين الناس، إذ كانت العرب تعيرهم بقتلهم لذويهم، مع أنهم يفادون أسراهم، ثم ما تلا ذلك من قتل بنى قريظة وإجلاء بني النضير إلى أذرعات وأريحاء من الشام، وفي ذلك أعظم الخزى.
وتنكيير الخزي لتهويله. ووعيدهم بالعقاب على مخالفتهم التوراة مع أنها نسخت بالقرآن: أَما لأن ما فعلوه بقومهم، كان قبل البعثة. وهم كانوا حينئذ، مكلفين بالتوراة، أو لأن القرآن لا يقر الظلم، كما لم تقره التوراة.
﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ﴾: أَي أن هذا الخزى الذي نزل بهم في الدنيا، لا يكفر عنهم سيئاتهم، وإنما يصيرون الى أشد أنواع العذاب يوم القيامة.
والمراد من قوله: ﴿يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ﴾: أنهم يعاقبون به وينتهون إليه.
وبهذا التفسير لا يقال: إن الرد إلى أشد العذاب يقتضى أنهم كانوا فيه قبل ذلك.
والتعبير بقوله ﴿يُرَدُّونَ﴾ بضمير الغيبة، للإيدان بعموم هذه العقوبة لمن يكون على هذا الكفر، وأَنها لا تختص بالمخاطبين من قبل، كما أن تحويل الكلام من أُسلوب الخطاب السابق إلى الغيبة هنا، يؤْذن بالإعراض عن خطابهم؛ لعظيم جرمهم.
﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾: وليس الله بساهٍ عن أعمالهم القبيحة، التي من جملتها
هذا المنكر، بل هوعالم ومحيط بها، ومجازيهم عليها.