قلوبهم ليس فيها استعداد لقبول ماجاءَ به النبى ﷺ وقد كذبوا، فانه دين الفطرة، فلو تركوا فطرتهم - كما خلقت عليه- لقبلته وآمنت به، ولكنهم أساءُوا الاختيار، ففسدت فطرتهم.
ولهذا رد الله تعالى عليهم بقوله: ﴿بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ﴾.
و (بل) هنا للإضراب الإبطالى، ورد ما يقولون، أَي: ليس الأمر كما زعموا، بل ابعدهم الله عن رحمته، بأَن خذلهم وتركهم وشأنهم، بسبب إصرارهم على الكفر، لسوءَ اختيارهم الذي أبطلوا به استعدادهم الفطرى لقبول الهدى، فاستحقوا بذلك أن يحرمهم الله من لطفه ورحمته. ﴿وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ (١) ثم ختم الآية بالنتيجة فقال: ﴿فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ﴾ الفاء في ﴿فَقَلِيلًا﴾ افادت ترتب ما بعدها- وهو قلة إِيمانهم- على ما قبلها، وهو لعن الله لهم. وقليلا صفة لمحذوف، و (ما)؛ صلة لتأْكيد القلة، وليست نافية. أَي: فإيمانا قليلًا يؤْمنون. والمقصود من القلة العدم، أَي. لا يؤْمنون أصلا، لأَن الإيمان الشرعى لا يتجزأُ فإيمانهم ببعض الكتاب وكفرهم بالبعض الآخر. لا يعتبر إيمان بل كفرا، واستعمال القِلَّة بمعنى العدم معروف في لغة العرب، يقولون: هذا شئ قلما ينفع، يريدون أَنه لا ينفع أصلا.
وهذا نوع آخر من ضلالات اليهود الذين كانوا في عهد النبى ﷺ وهوأنه لما جاءَهم كتاب منزل من الله- وهو القرآن مصدق للتوراة التى معهم، في التوحيد وأصول الدين، وموافق لها فما يختص ببعث النبي ﷺ ﴿وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا﴾: وكانوا - قبل مجيئة - يستنصرون على اعدائهم من الشركين، بالنبي المبعوث فى آخر الزمان، قائلين: اللهم أنصرنا عليهم