يعني أَنه يعلم بكل ما سيكون في قلوبكم من الجراءَة والجبن والصبر والجزع، فلذا لطف الله بكم، فأَرى النبي ﷺ أَعداءَكم في منامه قليلًا، لتثبتوا ولا تجزعوا.
٤٤ - ﴿وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ في أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ في أَعْيُنِهِمْ﴾:
أَي: واذكر يا محمَّد ومن معك من المؤمنين وقت أَن أَراكم الله إِياهم عند لقائكم بهم في المعركة عددًا قليلًا في رؤيا العين، ليتحقق لكم صدق الرسول ﷺ فيما أَخبركم به مما رآه في النوم فيزداد يقينكم فتجدّوا وتثبتوا في لقاءِ عدوكم.
قال ابن مسعود ﵁: لقد قُلِّلوا في أَعيننا حتى قلت لرجل إِلى جنبى أَتراهم سبعين.
قال: أَراهم مائة فأَسَرْنا رجلًا منهم فقلت له كم كنتم؟ قال: أَلفًا.
فعل الله ذلك مع المسلمين عند اللقاء ليزدادوا ثباتًا، كما قلل المسلمين في أَعين الكافرين قبل القتال ليجترئوا عليهم، ولا يستعدوا لهم، ثم كثرهم عند اللقاءِ حتى رأَوهم مثليهم، لتفاجئهم الكثرة فتبهتهم وتكسر قلوبهم.
روى أَن أَبا جهل حين رأَى المسلمين قبل القتال، استقلَّهم وقال: إِنما هم أَكَلة جزور خذوهم أَخدًا، واربطوهم بالحبال، فلما أَخذوا في القتال عظم المسلمون في أَعينهم فكثروا كما قال تعالى: ﴿يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ﴾ (١).
وفي هذا المعنى يقول الزمخشرى: فإِن قلت: الغرض من تقليل الكفار في أعين المؤمنين ظاهر، فما الغرض من تقليل المؤمنين في أعين الكفار؟
قلت: قد قللهم في أَعينهم قبل اللقاءِ ليجترئَ الكفار على المؤمنين لقلة عددهم وعدم المبالاة بهم ثم كثركم في أَعينهم عند اللقاءِ لتفجأَهم الكثرة فَيُبْهتُوا ويهابوهم وتقل شوكتهم