للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ﴾ التفرقة: جعل الشيء مفارقًا للآخر، وأحد هنا بمعنى: جماعة، لأن بَيْنَ لا تدخل إلى على متعدد.

والمعنى: لا نفرَّق بين جماعة من النبيين، فنؤمن ببعض، ونكفر ببعض، كما فعل اليهود. وقيل: إن في الكلام معطوفًا مقدرًا لظهوره، أي لا نفرق بين أحد منهم، وبين غيره كما في قول النابغة:

فما كان بين الخير لو جاء سالمًا … أبو حجر إلا في ليال قلائل

أي بين الخير وبيني.

وهذا التعبير أبلغ من قولك: لا نفرق بينهم، لما فيه من الدلالة - صراحة - على عدم التفريق بين كل فرد منهم وبين من عاداه، كائنًا من كان.

وفيه تعريض باليهود إذ آمنوا بموسى وكفروا بعيسى ومحمد.

وتعريض بالنصارى، لكفرهم بمحمد - صلوات الله وسلامه عليه -.

﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾: وقولوا - أيضًا - ونحن لله مسلمون خاضعون بالطاعة.

ومن جمال التعبير: أن هذه الآية، ابتدأت بالإيمان الذي هو فعل القلب، واختتمت بالإسلام الذي هو فعل الجوارح.

١٣٧ - ﴿فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا … ﴾ الآية.

الفاءُ في قوله تعالى: ﴿فَإِنْ آمَنُوا﴾ لترتب ما بعدها على ما قبلها، وسيأتي نظم هذا الترتيب في ذكر المعنى.

وظاهر الآية مشكل، لأنه يقتضي أن يكون لله مثل، ولو آمنوا بهذا المثل لاهتدوا، وذلك لا يصحن فالله - تعالى - منزه عن المثل، فلا اهتداءَ إلا بالإيمان به وحده.

ولهذا ذهب المفسرون في تأويلها عدة مذاهب، نذكر منها رأيين:

(أحدهما) أن (مِثْلَ) صلة جاءت لمجرد التوكيد، ولم يُقصد معناها وهي (المثلية)، كما هي في قوله تعالى: ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ (١)﴾ أي عليه - وأُيَّد بقراءة ابن مسعود


(١) الأحقاف: ١٠.