وابن عباس ﴿فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا﴾ بحذف كلمة (مثل).
(والرأي الثاني) - وهو الذي نختاره - أن:(مثل) ليست صلة (أي ليست زائدة للتوكيد) وأن الباء في قوله (بِمِثْل) للاستعانة، وأن المعنى: فإن دخلوا في الإيمان بوساطة شهادة مثل الشهادة التي ثبت لكم الإيمان بموجبها، فقد اهتدوا، والمراد بهذه الشهادة: ما مر في الآية قبلها.
وحاصل معنى الآيتين على هذا التأويل: قولوا، أيها المؤمنون: آمنا بالله وما أُنزل إلينا في القرآن، وما أُنزل إلى إبراهيم وذرياته من الأنبياء، لا نفرق بين أحد منهم، ونحن له مخلصون. فإن ترتب على هذا البيان الشامل لما عند أهل الكتاب وما عندكم: أنهم دخلوا في الإيمان - بسبب اعتراف وشهادة مثل الشهادة التي ثبت لكم الإيمان بموجبها - فقد اهتدوا إلى الحق.
﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ﴾ أي: وإن أعرضوا عن الدخول في الإيمان بهذا الاعتراف، وفرقوا بين الرسل، فآمنوا ببعض، ولم يخلصوا لله - فما هم إلا غارقون في خلاف وعداوة، وليسوا طلاب حق.
وسُمى الخلاف شقاقًا لأن أحد المختلفين يأْخذ في شق غير شق صاحبه: صورة أو معنى.
﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ﴾: يكفي من الكفاية بمعنى الوقاية.
والمعنى: فسيقيك الله شرهم، أو بمعنى الإغناء، والمعنى: فسيغنيك الله عن مقاومتهم وتصدير الفعل بالسين دون سوف، للإشعار بأن ظهوره عليهم سيتم في زمن قريب من نزول الآية.
وقد أنجز الله وعده بتفريق كلمتهم، وقتل بني قريظة وإجلاءِ بني النضير، وغير ذلك مما حاق بباقي اليهود، وكل ذلك بفضل الله.