﴿وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾: المخاطبون بذلك ابتداءً هم الكفار من أهل مكة، ولأَمثالهم في كل حين مالهم من الويل الشديد، و"مِنْ" في قوله ﴿مِمَّا تَصِفُونَ﴾ تعليلية، و"ما" مصدرية أي بسبب وصفكم الله تعالى بما لا يليق بجلاله سبحان، ويجوز أَن تكون "ما" اسما موصولا، والمعنى: ولكم الويل من الذي تَصفون الله به مما يجب تنزيههُ عنه من اتخاذ الصاحبة والولد كما قال سبحانه: ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا﴾ (١).
بينت الآيات السابقة فساد الأديان التي تزعم أن لله ولدا، كما توعَّدت أولئك الزاعمين بإِبطال مزاعمهم، ونَصْرِ الحق على باطلهم حتى يزهق، وأَن الله تعالى سوف يعاقبهم على افترائهم، وجاءَت هذه الآية لبيان كمال استغنائه عن الولد المزعوم وعن طاعتهم، فإنه سبحانه يملك من في السماوات والأرض، وكل من عنده خاضعون لربوبيته.
والمعنى: ولله من في السماوات والارض من سكانهما، وما فيهما من سائر المخلوقات، له تعالى كل ذلك خلقًا وملكًا وتصرفًا وتدبيرًا، وإحياءً وإماتة وتعذيبًا وإثابة، دون شريك له فيه، ومَنْ عنده في مكانة الشرف والكرامة من الملائكة، لا يستكبرون عن عبادته وطاعته في كل ما يأْمرهم به، ولا يَمَلُّون ولا يتعبون، فأى حاجة لله تعالى في أن يتخذ ولدًا وهو تام الاستغناءِ عن الولدية، وأَى ضرر أَصابه بعبادتكم لغيره؟ والتعبير عن الملائكة بأَنهم عنده سبحانه، على سبيل التمثيل بِجَعْلِ منزلتهم في الشرف ورفعة الجاه كمنزلة المقربين مكانًا من الملوك، ونَفْيُ استكبارهم عن العبادة، مشعِرٌ بالتعريض بمن كفر من الناس واستكبر على عبادته.
ولما بين الله في هذه الآية أَن الملائكة لا يستكبرون عن عبادته الشاملة لكل أَنواع الخضوع لأوامره وتعظيمه وتنزيهه، عقبها بالتنويه بحال من أحوال عبادتهم فقال سبحانه: