وأَما إِدريس فقد قيل: إِنه مصرى بعث إِلى قومه، وإِنه أَول من خاط الثياب ووصفه بأَنه من الصابرين يدل على أَنه عانى من مشاق التبليغ ومحن الحياة ما اقتضى ووصفه بذلك.
وأَمَّا ذو الكفل فقد قيل: إِنه ابن أَيوب، وقيل: بل هو إِلياس، واختلف في نبوته، وأَكثر العلماءِ على أَنَّه نبى من أَنبياء الله، ولذا ذكره الله في سورة الأَنبياءِ، ووصفه مع قرِينيه بقوله تعالى: ﴿كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ للدلالة على أَن الصبر كان من أَبرز صفاتهم، وأَنهم امتحنوا بمشاق تقتضى التنويه بصبرهم عليها وإن كنا لم نعثر على المحنة التي صبر عليها ذو الكفل.
المراد بالرحمة هنا: النبوة، أَو الجنة ونعيم الآخرة، أَو ما هو أَعم من ذلك.
﴿إنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ﴾: هذه جملة مستأْنفة في موضع التعليل، وصلاحهم هو الصلاح الكامل؛ لأَنهم الأَنبياءُ المعصومون فاستحقوا بذلك إِدْخالهم في رحمة الله، أو المراد بالرحمة: النبوة، والمعنى: أَنعمنا عليهم بالنبوة التي هي رحمة منا لأَنهم من الصالحين لها.
النون: الحوت، وذا النون: يونس ﵇ ونسب إِليه، لأَنه التقمه وهو مليم، كما سيأْتى بيانه في قصته، والمعنى: واذكر يا محمد لقومك قصة ذى النون حين تولى عنهم مغاضبا لهم، فقد بعثه الله لأَهل نينوى من بلاد الموصل فبلغهم رسالة ربه، وخوفهم عذابه، ولكنهم لم يؤمنوا وأَصروا على كفرهم فهاجر عنهم مغاضبا لهم، وهذا معنى قوله تعالى: ﴿إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا﴾ أَي: غضبان على قومه ولم يؤمر بذلك ولا أُذِنَ له فيه.
﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾: أَي فظن أَن لن نضيق عليه ولا نؤاخذه في متاركة قومه وخروجه من بينهم دون إِذن منا.