وأما قوله تعالى: ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾ فمعناه أَنه لا يحل للنساء أَن يضربن الأَرض بأَرجلهن لتُسمع غيرها صوت خلخالها وتعلمه ما تخفيه من زينتها، فإسماع صوت الزينة كإبدائِها في الحرمة بل أَشد، لأَنه يغرى الرجال بهن، لما فيه من إيهام أن لهن ميلا إليهم، واستدعاء لهم، أخرج ابن جرير الطبرى بسنده عن حضرمي (أَن امرأَة اتخذت خَلخَالا من فضة، واتخذت جَزْعًا في ساقها، فمرت بقوم فضربت برجلها، فوقع الخلخال على الجزع فصوَّت، فأنزل الله ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ … ﴾ الآية، والجزع: خرز فيه بياض وسواد تُشَبَّه به العيون، ويفهم من سبب النزول أَن الجزع كان منظوما في خيط حول الساق، وأَن الخلخال كان في أَعلاه فلما ضربت الأَرض برجلها وقع الخلخال عليه فصوَّت.
قال الآلوسى في تعليقه على هذا الأثر: والنساءُ اليوم على جَعْل الجزع ونحوه في جوف الخلخال، فإذا مشين ولوهونا صوَّت … الخ.
وكان النساءُ في عصرنا هذا يتخذن خلاخيل من ذهب أَوفضة لها جلاجل مرتبطة بها، تجلجل وتصوت عند مشيهن، ثم تلاشت هذه الحلية أَوكادت.
وكما يحرم على المرأَة تنبيه الرجال إليها بضرب الأَرض برجلها، يحرم عليها تنبيههم بنحوالتطيب عند خروجها، قال ﷺ: "كل عين زانية، والمرأَة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا يعنى زانية (١) والحديث حسن صحيح.
﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾: أَي وقل أَيها النبي للمؤمنين في ضمن ما كلفوا به في هذه الآية - قل لهم -: توبوا إلى الله تعالى مما عسى أَن تكونوا قد ارتكبتموه مما نهيتم عنه فيها، ولا تتخلوا عن المتاب من آن لآخر، فإنكم لا تخلون من التقصير في حقوق الله - تعالى - لعلكم بالتوبة تفلحون، وتفوزون بما تأملونه من السعادة في الدارين.
(١) انظر ابن كثير، والحديث في تحفة الأحوذى - أبواب الاستئذان - باب: ما جاء في خروج المرأة متعطرة.