للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

به الظلمات، وتَبينُ به المرئيات على حقائقها، والضمير في ﴿نُورِهِ﴾ عائد إِلى الله - تعالى - (١) فإن الهدى هداه ﴿وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ﴾.

والنور بهذا المعنى هو المشبه بالمشكاة، وهو الذي جنح إِليه ابن عباس ؛ فقد أَخرج ابن جرير وابن المنذر، وابن أَبي حاتم والبيهقى عن ابن عباس أَنه قال: ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾: مَثَل هداه في قلب المؤمن" وبه قال أَنس، أَخرج ابن جرير عنه أَنه قال: (إلهي يقول: نُوري هُدَاي) ونقل الآلوسى أَن تفسيره بالهدى هو اختيار الأَكثرين، والمشكاة: هي موضع الفتيلة من القنديل، وقد نقله ابن كثير عن ابن عباس، ومحمد بن كعب، وغيرهما، وقال: إِنه هو المشهور، ولهذا قال بعده: ﴿فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾ وهو الذُّبَالَةُ (٢) التي تضئُ، وقيل: هي الكُوة في الحائط غير نافذة، وعزاه القرطبى إِلى الجمهور، وقال: إنها بهذا المعنى أَجمع للضوءِ، ونقل القرطبى عن مجاهد أَنها هي القنديل، وقد اشتهرت بهذا المعنى في عصرنا، وتفسير المتقدمين للمصباح بالزبالة، أَي: فتيلة القنديل، ملاحظ فيه أَن المصابيح في هذا الزمان كانت كذلك، ولهذا جاءَ في النص الكريم أَن هذا المصباح ﴿يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ﴾.

وقد بين الله - تعالى - أَن هذا المصباح في زجاجة، وهي القنديل، وقد وصف الله زجاج القنديل بالصفاءِ والزُّهْرَة الفائقة، حيث قال: ﴿الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ﴾ ومن هذا القنديل الشفاف ينفذ ضوءُ المصباح إِلى ما حوله.

والمراد بالكوكب الدرى: أَحد الكواكب التي يطلق عليها العرب الدرارىّ، مثل: المشترى، والزهرة، وهي منسوبة إلى الدُّرّة، لبياضها وزُهْرَتِها وحسنها.

وتشبيه الزجاجة بالكوكب الدرى يحتمل معنيين: أَحدهما: أَنها بما فيها من المصباح تشبهه، وثانيهما: أَنها لصفائها وجودة جوهرها تشبهه، قال القرطبى: وهذا التأْويل أَبلغ في التعاون على النور.


(١) أجاز بعض العلماء رجوع الضمير إلى المؤمن، وروى ذلك عن ابن عباس في إحدى الروايات عنه كما روى عن أبي بن كعب، وكان يقرأ: (مثل نور المؤمن) وهناك أقوال أخرى في مرجع الضمير، فقيل: هو محمد وقيل: هو القرآن، وما ذكرناه من رجوعه إلى الله هو الموافق لظاهر النص القرآني.
(٢) أي: الفت