وقد بين الله أَن هذا المصباح ﴿يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ﴾: أي يوقد من زيتها، والمقصود بها: الجنس من شجرة الزيتون، وبركتها إِما كثرة منافعها، وإِما لأَنها تنبت في الأرض التي بورك فيها للعالمين، وعلى أَي حال فهي كثيرة المنافع، روى عن ابن عباس أنه قال: في الزيتونة منافع: يسرج بالزيت، وهو إدام ودهان ودباغ، ووقود - يوقد بحطبه وتُفْلِه - وليس فيه شئٌ إِلا وفيه منفعة، حتى الرماد يُغْسَل به الإِبريسم … إِلخ.
والإِبريسم: الحرير.
وقد جاءَ في زيتها حديث أَخرجه عبد بن حميد في مسنده، والترمذى وابن ماجه، عن عمر ﵁ أَن رسول الله ﷺ قال:"ائتدموا بالزيت، وادهنوا به، فإِنه من شجرة مباركة".
وقد وصف الله تعالى الزيتونة بقوله: ﴿لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ﴾: فأَما كونها غير شرقية وغير غربية، فالمقصود: أنها مكشوفة للشمس، لا يحجبها عنها جبل ولا شجر، من حين تطلع حتى تغرب، وذلك أَحسن لزيتها، فهي ليست خالصة للشرق حتى يقال فيها: شرقية، ولا خالصة للغرب حتى يقال فيها: غربية، بل هي شرقية غربية.
وقال ابن زيد: إنها من شجر الشام، فإن شجر الشام لا شرقى ولا غربى، وشجر الشام هو أَفضل الشجر، وهو الأرض المباركة. وهذا رأى حسن.
وقد وصف الله زيتها بقوله: ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ﴾ تأْكيدا لصفائه وجودة النور المنبعث عنه، وبهذا الوصف اكتملت الأَنوار للمشكاة، فكان أَمرها كما قال تعالى: ﴿نُورٌ عَلَى نُورٍ﴾: فقد اجتمع فيها ضوءُ المصباح إِلى ضوء الزجاجة إلى ضوء الزيت، فكانت كأَنْوَر ما يكون، فكذلك براهين الله - تعالى - واضحة تستضئ بها القلوب وتهتدى، وهي برهان بعد برهان، وتنبيه بعد تنبيه، بإرساله الرسل، وإِنزاله الكتب، الوعظ المتكرر، وآيات الله في الأَنفس والآفاق.