ولما كان الناس مختلفين في معرفة الهدى والرشاد، متباينين في إِدراك الحق والضلال، عقب ذلك بقوله: ﴿يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾: أَي يوفق الله لإصابة الحق ومعرفته والاستجابة إِليه - يوفق - من يشاءُ من عباده، ممن حسنت نيته، وطابت طويته، وذلك بإلهامه الاقتناع به، وشرح صدره إِليه، بعد أَن وفقه إلى حسن النظر في آياته التي نور الله بها السموات والأرض، وفيما أَنزل على رسوله من نور القرآن كما قال - تعالى -: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا﴾ حتى اطمأن بها فؤاده، واهتدى إلى الحق والرشاد. وفي ربط الهداية بمشيئة الله - تعالى - إيذان بأَن مناطها هو مشيئته، وليست الأَسباب وحدها، فهو أَعلم بمن يستحقها، قال الشاعر:
إذا لم يَكُ التوفيق عونا لطالب … طريقَ الهدى أعيت عليه مطالبه
أَخرج الإمام أحمد بسنده عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إن الله خلق خلقه في ظلمة، ثم ألقى عليهم من نوره يومئذ، فمن أَصابه يومئذ من نوره اهتدى، ومن أخطأَه ضل، فلذلك أقول: جف القلم على علم الله ﷿".
وقد ختم الله الآية بما يدل على أن إطلاق لفظ؛ (النور) على الآيات والبراهِين من قبيل ضرب الأمثال، فقال - سبحانه -: ﴿وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾: أي يبين الله الأشباه والنظائر من الحسيات، تمثيلا للمعانى عند إرادته - تعالى - هداية الناس وإِرشادهم إلى الحق - كالذى جاءَ في الآية من تشبيه ما تحدثه الآيات من نور الهدى في القلوب، بنور المشكاة؛ لما لها من الأثر العظيم في إرشاد الحق إِلى الحق.
وختم الآية بقوله - سبحانه -: ﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ أَي: أنه - تعالى - يعلم الأشياء جميعها حقائقها ومجازاتها، وما ينبغي التعبير عنه بأسلوب المجاز، وما ينبغي التعبير عنه بأسلوب الحقيقة، كما يعلم من يستحق الهداية ممن يستحق الإِضلال.
أَخرج الإمام أَحمد بسنده، عن أَبي سعيد الخدرى قال: قال رسول الله ﷺ: "القلوب أَربعة: قلب أجْرَد، فيه مثل السراج يزْهر، وقلب أغْلَف، مربوط