للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وذكر ابن عباس: أنها نزلت في نفر من المنافقين: تكلموا في شهداء الصحابة فعابوهم.

والآية عامة في المنافقين، وإن وردت بسبب خاص.

فيدخل في المراد من هذه الآية: أُولئك الذين يتظاهرون بالدعوة إلى الإصلاح، ويستعملون أساليبهم الزائفة، وعباراتهم البراقة في خداع الناس لكسب ثقتهم، والاطمئنان إليهم، حتى يستطيعوا - عن طريق هذه الثقة - محاربة الدين، وهم يلبسون ثوب الإصلاح.

٢٠٥ - ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ … ﴾ الآية.

أي: وإذا أدبر ورجع بعد ما بث نفاقه، ونفث سمه، وظن أنه نجح، واكتسب ثقة الناس - سعى في الأرض لينشر فيها الفساد جهد طاقته، ويهلك الزرع والذرية: بالإتلاف والقتل، كما فعل الأخنس الذميم، إذ كان يُظهر الإيمان والحب للرسول بكلام معسول، ثم يتولى، فيحرق الزرع، ويتلف الأموال.

ويرى بعض المفسرين: أن المقصود بقوله تعالى: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى﴾: إذا ولِيَ الحكم، وأخذ بيده مقاليد السلطان.

ويصبح معنى الآية الكرمية على هذا: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ ببيانه الساحر، وادعائه الإصلاح بين المسلمين وحرصه على مصلحة الأُمة - توصلًا إلى الحكم، فإذا ولي هذا الحكم، وتمكن سلطانه بسببه - فعل بالناس ما يفعله ولاة السوء، وظهر من أمره ما كان يخفيه، فسعى في الأرض - بحيلته وتدبيره - ليفسد فيها بما يشاءُ من أَلوان الفساد: فيهلك الحرث، ويسفك الدماء، ويهدد الحريات، وينشر الشرور والمنازعات بين الأُمة، ويضرب بعضها ببعض: باصطناع الأعوان، وتقريب الأنصار، ليبسط بهم سلطانه على الناس، ويحتفظ بزعامته عليهم. على حد قوله تعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ (١).


(١) محمد: ٢٢.