للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولما كان كلا الأَمرين لا يستوجب تكذيبهم لوضوح تقصيرهم فيهما، فلهذا لم يستطيعوا أن يجيبوا ربهم بما يخفف عنهم مسؤليتهم فيها فقال الله - تعالى - عقب هذه المساءَلة:

٨٥ - ﴿وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ﴾:

أي: ووجب عليهم العذاب الذي قلناه لهم على ألسنة رسلنا إن استمروا على تكذيبهم بآياتنا فهم لا يستطيعون النطق بما يدفع حجتنا عليهم.

واعلم أن الحشر يوم القيامة لجميع الخلائق مؤمنهم وكافرهم ولكن هذه الآيات اختصت ببيان حشر المكذبين بآيات الله ومساءلتهم ومصيرهم؛ لأن السياق واللحاق يقتضي ذلك الاختصاص.

ويرى الشيعة الإمامية أن لفظ (منْ) في قوله تعالى: ﴿مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا﴾ للتبعيض وليس للبيان، وأن الآية أفادت أن بعض المكذبين بآيات الله يحشرون، وليس ذلك صفة الحشر يوم القيامة؛ إذ يقول الله في شأنه: ﴿وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾ وهذا يدل على أن هذا الحشر الجزئى يكون في الدنيا لبعض أعداءِ الله من الكافرين، لينتقم منهم على أيدى أوليائه وشيعته عند ظهور المهدي آخر الزمان إذ يرجع معه جماعة من أئمة أهل البيت، ليعاقبوهم بالإذلال والتوبيخ والقتل، ليفوزوا بثواب نصرة الله، ويفرحوا بظهور دولته، وبالجملة فهذه الآية من أشهر ما استدل به الشيعة الإمامية على رجعة أئمتهم، كما استدلوا بأحاديث رووها بهذا الصدد.

والحق أن ما ذهب إليه الشيعة من رجعة أئمتهم أمر خيالي محض، والاستدلال عليه بالآية رأى فاسد؛ فإن الآية ليس فيها عنهم قليل ولا كثير لا في الرجعة ولا في غيرها، والحشر في لسان الشرع، هو حشر يوم القيامة، وهو في الآية للكافرين جميعًا، ولفظ (من) في قوله تعالى: ﴿مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا﴾ كما يحتمل أن يكون للتبعيض، يحتمل أيضًا أن يكون لبيان الفوج الذين يناقشهم الله، ويوبخهم ويعاقبهم بعد الحشر، والحق أَن هذه الآيات الثلاث (١) مسوقة لبيان حال المكذبين لرسل الله يوم القيامة كما يقتضيه السياق،


(١) وهي قوله تعالى: "ويوم نحشر … " إلى قوله تعالى: "ووقع القول عليهم" وأرقامها: ٨٣، ٨٤، ٨٥.