وأخرج ابن جرير عن ابن عمر ﵄ قال: نزلت الآيات في عياش ابن أبي ربيعة، والوليد بن الوليد، ونفر من المسلمين كانوا أسلموا ثم فتنوا وعذبوا، فافتتنوا (١) فكنا نقول: لا يقبل الله - تعالى - من هؤلاء صرفًا ولا عدلًا أبدًا: أقوام أسلموا ثم تركوا دينهم بعذاب عذبوه!! فنزلت هذه الآيات، وكان عمر ﵁ كاتبًا فكتبها بيده، ثم كتب بها إلى عياش، وإلى الوليد، وإلى أولئك النفر فأسلموا وهاجروا.
وأخرج ابن جرير عن عطاء بن يسار قال: نزلت هذه الآيات الثلاث: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ﴾ إلى ﴿وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ بالمدينة في وحشيٍّ قاتل حمزة؛ لأنه ظن أن الله لا يقبل إسلامه.
وقد فرح النبي ﷺ بنزول هذه الآية، أخرج الإِمام أحمد في سنده وابن جرير وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان وغيرهم عن ثوبان قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ إلى آخر الآية".
وأصل الإسراف: الإفراط في صرف المال، ثم استعمل فيما ذكر مجازًا، وقال الراغب: هو تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر، وهو ظاهر في أنه حقيقة فيما ذكرنا.
حث الله ﵎ عباده على المسارعة إلى التوبة فقال: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾ إلى آخر الآية - أي: وارجعوا أيها المسرفون على أنفسهم إلى ربكم ومالك أمركم بالإعراض عن معاصيه، والندم عليها، وأسلموا له بالإخلاص في طاعته، والامتثال لأمره، والخضوع له بالعبادة، والإقرار بوحدانيته، قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا ينصركم أحد من الله ويدفع عنكم عذابه.
ولقد فرق بعض العلماء بين الإنابة والتوبة: بأن التائب قد يرجع من خوف العقوبة، والمنيب يرجع استحياء لكرمه - تعالى - وذكر الإخلاص بعد الإنابة ليعلم العبد أن نجاته بفضل الإخلاص لله في توبته.