وقيل لهؤلاء المشركين من قبل رب العزة توبيخًا وتقريعًا: اليوم نترككم في العذاب كما تركتم الاستعداد للقاء ربّكم في هذا اليوم بالتقوى والإيمان، ونجعلكم بمنزلة الشيء المنسى الذي لا يبالى به كما لم تُبالوا أنتم بلقاء ربكم هذا ولم تخطروه ببال فأنتم كالشيء الذي يطرح نسيا منسيا، ومقرّكم ومنزلكم النار، وليس لكم من ناصرين ينقذونكم من عذابها ولا مانعين لكم ومدافعين عنكم من ويلاتها وعقابها.
وقد ثبت في الصحيح أن الله يقول لبعض العباد: ألم أزوّجك؟ ألم أكرمك؟ ألم أسَخِّر لك الخيل والابل؟ فيقول: بلى يا ربّ، فيقول: أظننت أنك ملاقيّ؟ فيقول: لا فيقول الله - تعالى -: "فاليوم أنساك كما نسيتني" ذكره ابن كثير.
ذلكم العذاب الذي نزل بكم والجزاء الذي جازيناكم به لأنكم كفرتم باللهِ واتخذتم قرآنه وحججه ومُعجزاته سخريًّا، تسخرون منها وتهزءون بها، وخدعتكم الحياة الدنيا بزينتها وزخرفها فاطمأننتم إليها ووثقتم بها، وحسبتم أن لا حياة سواها ولا حياة لكم بعدها، فاليوم لا يستطيع أحد إخراج هؤلاء من النار ولا هم يُطلب منهم أن يُعتبوا ربهم سبحانه، أي: ولا هم يطلب منهم إرضاؤه بالتوبة والاعتذار لفوات الأوان، والالتفات في قوله - تعالى -: ﴿لا يخرجون منها﴾ إلى الغيبة للإيذان بإسقاطهم من رتبة الخطاب استهانة بهم.
هذه الآية تفريع على ما اشتملت عليه السورة الكريمة، فقد احتوت على آلاء الله وأفضاله واشتملت على الدلائل الكونية، وانطوت على البراهين السّاطعة والنّصوص القاطعة في المبدأ والمعاد.