شهرا، وإذا وضعته لسبعة أشهر كفاه من الرضاع ثلاثة وعشرون شهرًا، وإذا وضعته لستة أشهر فحولان كاملان؛ لأن الله - تعالى - يقول: ﴿وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا﴾.
والمعنى: وألزمنا الإنسان وأمرناه أن يحسن إلى والديه إحسانًا عظيمًا وأن يبرهما برًّا كريمًا، فالإحسان إلى الوالدين هو ثاني أفضل الأعمال، فعن ابن مسعود ﵁ أنه سأل رسول الله ﷺ: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال:"الصلاة على وقتها". قلت: ثم أيّ؟ قال:"بر الوالدين" قلت: ثم أيّ؟ قال:"الجهاد في سبيل الله" متفق عليه.
كما عد رسول الله ﷺ عقوقهما ثاني أكبر الكبائر، فعن أبي بكرة نفيع بن الحارث ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ - ثلاثًا - قلنا: بلى يا رسول الله، فقال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئا فجلس فقال: ألا وقول الزور، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت" متفق عليه.
﴿حملته أمه كرها﴾ أي: قاست بسببه في حال الحمل به مشقة وتعبًا من رحم وغثيان وثقل وكرب ﴿ووضعته كرهًا﴾ أي: بمشقة أيضًا من الطلق وشدته ﴿وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا﴾ أي: أنهما لم تقف مشقتها وتعبها عند الوضع بل استمر ذلك في مدة رضاعه وفطامه؛ فقد سهرت عليه وقامت على أمره وعانت من تربيته في تلك الفترة الدقيقة من حياته ما جعلها تتعب ليستريح، وتشقى ليسعد، وتسهر لينام، كل ذلك مع حسن رعاية وكمال عناية رجاء أن تستمر حياته ويمتد به العمر وتنعم به كبيرًا كما سعدت به صغيرًا.
﴿حتى إذا بلغ أشده﴾ أي: حتى إذا قوى وشهب واكتهل واستحكمت قوته ﴿وبلغ
أربعين سنة﴾ أي: تناهى عقله وكمل فهمه وحمله؛ فسنُّ الأربعين تمام النضج وتمام الحلم، فعنده تكمل الملكات وتتناهى الكمالات، ولا يرجى لأحد بعد أن يبلغ هذا العمر أن يزاد في عقله، فهذا بلغ هذه السن ﴿قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ﴾ أي: اتجه إلى ربه الذي دعاه وربَّاه وجعله يتقلب في منِّه وكرمه وإنعامه قائلا: يا رب رغبني وألهمني أن أقوم بحق نعمتك العظيمة التي أنعمت بها علي، واهدني إلى القيام بصرفها