وتوجيهها إلى ما خلقتها له، فنعمُك يا رب وفيرة وآلاؤك جليلة؛ فقد وفقتني إلى نعمة الإِسلام، وجعلتني من خير أمة أخرجت للناس، وأنعمت علي بالصحة والعافية والغنى عن الناس، ورزقتني الولد ولم تجعلني فردا منقطع الذرية، وأسألك أن تديم عليّ شكر النعمة التي أنعمت بها على والديّ من الإيمان بك وبرسولك، وبالتحنُّن والشفقة عليّ حتى ربياني صغيرًا ﴿وأن أعمل صالحا ترضاه﴾ أي: اجعل عملي كثيرا عظيما سالما من عدم قبولك له، وذلك بأن يكون خالصًا من الرياء والعجب حتى يكون على وَفق رضاك ﴿وأصلح لي في ذريتي﴾ أي: اجعل الصلاح والبر وعمل الخير ساريا في ذريتي راسخا فيهم حتى يكونوا لك عبيد حق، ولي خَلَفَ صِدق. ﴿إني تبت إليك وإني من المسلمين﴾ أي: إني رجعت عما كنت عليه مما لا ترضاه أو يشغلني عنك، وإني من الذين أسلموا إليك أمرهم وأخلصوا أنفسهم لك وأفردوك بالعبادة.
جاء في كتاب الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي: وكان مالك بن أنس يقول: اشتكى أبو معشر ابنه إلى طلحة بن مصرِّف؛ فقال له: استعن عليه بهذه الآية وتلا: ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾:
نقول: هذا توجيه سديد وإرشاد حكيم؛ فخير الدعاء ما كان بالمأثور من كتاب الله - تعالى - أو من السنة النبوية المطهرة.
أي: أولئك الموصوفون بتلك الصفات الجليلة التي بها علت منزلتهم وسمت مكانتهم عند ربهم يتقبل الله - سبحانه - منهم أفضل أعمالهم وأحسنها - من الأعمال المفروضة والمندوبة - فيجازيهم عليها أفضل جزاء وأكمل ثواب، أما الأعمال المباحة فليست محل ثواب إلا إذا اقترنت بها نيَّة الطاعة والقربى لله ﷿ وذلك كمن يأكل ناويًا أن