وقيل: إِن الإِقسام بالنجوم السيارة التي تنزع من المشرق إِلى المغرب، أَي: تسير، وإِغراقها في النزع: أَن تقطع الفلك كله على ما يبدو للناس حتى تخط في أَقصى الغرب، وبالتي تنشط، أَي: تخرج من برج إِلى برج، وبالتي تسبح في الفلك فتسبق، فندبر أَمرًا نيط بها كاختلاف الفصول، وتقدير الأَزمنة، وظهور مواقيت العبادات، والمعاملات المؤجلة إِلى غير ذلك، وقيل غير ما ذكر، إِلاَّ أَن القسم بطوائف الملائكة هو ما عليه أَكثر المفسرين بل قال ابن عطية: لا أَحفظ خلافا في أَنها الملائكة، وليس في تفسير شيء مما ذكر خبر صحيح عن رسول الله ﷺ فيما أَعلم. ويقول الآلوسي: وما ذكرته أَولا الإِقسام بالملائكة هو المرجع عندي نظرًا للمقام.
أي: لتبعثن يوم تتحرك الراجفة رجفة شديدة تهتز وترجف عندها الأَجرام الثانية كالأَرض والجبال، وبها يختل الأَمر، ويضطرب النظام، ويصعق كل شيءٍ بَأمره تعالى، وهي النفخة الأَولى (تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) أَي: الواقعة والصيحة التي تردف الأُولى.
وإِسناد الرجف إِليها على أَنها فاعلته إِسناد مجازي وجوز أَن التفسير الراجفة بالمحركة ويكون ذلك حقيقة، لأَن (رجف) يكون بمعنى حرك وتحرك كما في القاموس.
وتتبعها وهي النفخة الثانية التي بها يسرع الخلق قيامًا من قبورهم ينتظرون الجزاءَ والحساب والمراد لتبعثن في اليوم الذي تقع فيه النفخة الأُولى حال كون النفخة الثانية تابعة لها لا قبلها باعتبار امتداد ذلك اليوم لاحتواء النفختين واعتبار امتداده مع أَن البعث لا يكون إِلا عند وقوع النفخة الثانية لتهويل اليوم ببيان كونه موقعًا لداهيتين عظيمتين، لا يبقى عند وقوع الأُولى حيَّ إِلاَّ مات، ولا عند وقوع الثانية ميت إِلا بعث، وقيل المعنى: لتبعثن، كأنه قيل لرسول الله ﷺ: اذكر لهم يوم النفختين فإِنه وقت بعثهم.
أَي: قلوب منكري البعث في ذلك اليوم مضطربة خائفة وجلة، وعند السدي: زائلة من أَماكنها كما في قوله تعالى: "إِذْ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ"(١) يعني نزول من مكانها لتصل إِلى الحناجر.