روى الإِمام البخاري، عن أبي طلحة، قال:"غَشِيَنَا النعاسُ، ونحن في مصافّنا يوم أُحد. فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه، ويسقط وآخذه".
وكان هذا من رحمة الله بهم بعد ما أصابهم.
﴿يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ﴾: وهم المؤمنون والصادقون.
﴿وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ﴾: وهم المنافقون الذين خرجوا مع الرسول، غير راغبين في الخروج. فقد كان هَمُّ هؤُلاءِ أنفُسهُم. فلم يغشَهم النعاس.
أما المؤمنون، فقد كان همهم الرسولَ وسلامتَه، حتى يأخذَ الإِسلام سبيله إلى قلوب العالمين، بقيادته وتوجيهه.
﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّة﴾: أي يظنون أن الله لا ينصر محمداً، وأَن دينه باطل، وأن الله لن يكون مع المؤمنين.
وهذا الظن لا يصدر عن قلب مؤمن. فلهذا وصفه الله بأنه: ظن الجاهلية. أي ظن أهل الجاهلية، الذين يجهلون أن الله ينصرُ رسلهُ، ويؤَيدُهم على أعدائهم.
﴿يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ﴾: كان من رأي عبد الله بن أُبَيّ وسائر المنافقين: ألاَّ يخرجوا للقتال، بل يبقوا بالمدينة حتى يهاجَمُوا فيها من المشركين.
ولكن أكثر أصحاب الرسول -ممن لم يشهدوا بدرا- أصروا على الخروج، كما سبق بيانه. فنزل النبي ﷺ على رأيهم. وقال مقالته المعروفة:
"ما يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أن يَضَعَ أداتَهُ بَعْدَ ما لَبِسَهَا، حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بينَه وبَيْنَ عَدُوِّه (١) ".
فلما حدث ما حدث، قال المنافقون: لم يكن لنا شيء من الأَمر، أي لم يؤخذ برأينا، وإِنما خرجنا كَرهًا.