فإن الاشتغال بعلوم الدين من أهم الفضائل والأعمال التي يقوم بها الإنسان في حياته الدنيا، ومن ثم يطمع فيها منال رضا الله سبحانه وتعالى في الآخرة، ولذا تواترت النصوص والأخبار في الحث على طلبها وتعلمها وتعليمها، لا سيما علمي الفقه والحديث، وكتابنا هذا "الإشراف على مذاهب العلماء" لأبي بكر محمد ابن إبراهم بن المنذر المتوفى ٣١٨ هـ يجمع بين هذين العلمين إذ صاحبه مفسر، محدث، فقيه، وكان يلقب بشيخ الحرم، وفقيه مكة في عصره، ولست بحاجة إلى تعريف القراء بأهمية هذا الكتاب، فجميع كتب الفقه، وخاصة كتب الخلاف تعتبر من المصادر القيمة لدى الباحثين في تطور الحياة الاجتماعة في مختلف العصور الإسلامة وإننا لنجد في هذا الكتاب من الفوائد، والمواد، والبيان ما لا نجده في أي مصدر آخر يعني بهذا الموضوع.
ولا شك أن هذا الكتاب مختصر اختصره المؤلف من كتابه "الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف"، ومع هذا فإنه أكمل كتاب في موضوعه، وهو يجمع أصول الشريعة من الآيات القرآنية، والآحاديث الصحيحة، ويجمع إجماع العلماء واختلافهم من عصر الصحابة إلى أتباع التابعين ومن بعدهم إلى عصره، ويرجح ما يتبين له راجحا بالدليل دون تقيد بآراء الرجال ولا بأقوالهم.
وهذا ما دفعني لإكمال تحقيق هذا الكتاب الذي بدأت به في سنوات عديدة، وقد تأخر تحقيقه ونشره بسبب عدم الحصول على النسخة الخطية من أول الكتاب.