يُستَعمل في وُلاة الصَّدَّقةِ، وبهذا يتأوَّل قوله:«فلمَّا قَدِمَ عليٌّ مِن سِعايَته» أي: وِلايَته، لا سعاية الصَّدقةِ إذ كان ممَّن لا يصلُح أن يكون من العاملِين عليها الذين تحلُّ لهم.
قوله:«ولا تأتُوهَا وأنتُم تَسعَونَ» من السَّعيِ الَّذي هو الجريُ والاشتِدادُ ودونه شيئاً، و «السَّعيُ بينَ الصَّفا والمَروةِ»[خ¦١٥٤٥] منه، وقد سُمِّي في بعض الحديثِ الطَّواف بالَبيتِ:«سَعياً»[خ¦١٧٦٧] لأنَّه قد سُمِّي المشي والمضي سعياً، قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا﴾ [البقرة: ٢٦٠]، قال بعضهم: والسَّعيُ إذا كان بمعنى الجري وبمعنى المضي تعدى بـ: «إلى»، وإذا كان بمعنى العَملِ تعدى بـ:«اللَّام»، كقوله: ﴿وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا﴾ [الإسراء: ١٩]، وقد فسَّر مالكٌ قوله: ﴿فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الجمعة: ٩]: أنَّه السَّعي على الأقدامِ وليس بالاشتِدَاد، و «إلى» تأتي بمعنَى: «اللَّام».
وفي المُعتَق بعضه وفي المُكاتَب:«يُسْتَسْعَى» على ما لم يُسمَّ فاعلُه، و «واستُسعِىَ فيما علَيهِ»[خ¦٢٤٢٩] أي: أتبع به، وطلب بالسَّعيِ في فِكاك ما بقِيَ من رَقبَتِه، أو ممَّا أدي عنه؛ أي: يكلَّف الطَّلب والكَسب والعَمل في ذلك، على من يقول بذلك من العِراقيِّين، وخالَفَهم الحجازِيُّون ولم يروا عليه استِسْعاء.
ومنه:«السَّاعي على عياله»، و «عَلى الأَرمَلةِ واليَتِيمِ»[خ¦٥٣٥٣] أي: العاملُ ليقوتهم.
وقوله:«فسَعَوا له بكلِّ شَيءٍ»[خ¦٢٢٧٦] طلَبوا وجدوا، والسَّعيُ: العَملُ.
وقوله:«فسَعَوا عليها حتَّى لَغِبُوا»[خ¦٥٤٨٩] أي: جرَوا حتَّى أعيوا.
وقوله:«ولَتُترَكنَّ القِلَاصُ فلا يُسعَى عليها» أي: لا تُؤخَذ زكاتها، ذكَرْناه في القاف.
وقوله:«ويَسْعَونَ في السِّكَكِ»[خ¦٩٤٧] أي: يجرون.
فصلُ الاخْتلافِ والوَهمِ
في كلامِ الرَّب مع أهلِ الجنَّة:«يا ابنَ آدَم لا يسَعُك شيءٌ» كذا للأَصيليِّ من السَّعَة ولغَيرِه: «لا يُشْبِعُكَ»[خ¦٢٣٤٨]، وهو الصَّوابُ.
وفي (باب رَحمةِ الوَلدِ): «فإذا امرَأةٌ من السَّبيِ قد تَحلُبُ ثَديها تَسعَى إذا وجَدَتْ صَبيّاً أخَذَته» كذا للأَصيليِّ، وعند القابِسيِّ:«تَسقِي»[خ¦٥٩٩٩]، وهو وهمٌ، وعند مُسلمٍ:«تَبتَغِي»، والوَجهُ «تسعَى».