إلى منازِلِهم»، كلُّه ممَّا جاء في هذه الأُمَّهات بمعنَى الانضِمامِ والضَّمِّ.
ومعنَى «آوَاهُ الله» في الحَديثِ ظاهِرُه أنَّه لمَّا انضَمَّ إلى المَجلِسِ وقصَدَه جعَلَ اللهُ له فيه مَكاناً وفُسحَة، وقيل: قرَّبه إلى مَوضعِ نَبيِّه، وقيل: يحتَمِل أن يُؤوِيه يومَ القيامة في ظلِّ عَرشِه.
وقوله:«ومَأْوَى الحيَّاتِ والهَوَامِّ» أي: أماكِنُها الَّتي تَنضَم إليها، وفي الحَديثِ الآخَر في السُّجُود:«حتَّى نأْوِيَ له» أي: نَرثِيَ ونَرِقَّ.
وقيل: مَعنَى «الحمدُ لله الَّذي آوَانا» أي: رَحِمنا وعطَف علينا، و «كم ممَّنْ لا مُؤْوِيَ له» أي: لا راحِمَ ولا عاطِفَ، وعلى المعنى الأوَّل؛ أي: الَّذي ضمَّ شَمْلنا وجعَل لنا مواطنَ ومساكنَ نأوي إليها، وكم ممَّن لا موطِنَ له ولا مَسكنَ، ولا مَن يُنعَم عليه بذلك فهو ضائعٌ مُهمَل.
والمَأوَى: المَسْكَنُ بفَتحِ الواو مَقصُورٌ، وكلُّ شيءٍ يُؤوَى إليه، إلَّا مَأوِيَ الإبل فبِكَسرِ الواو خاصَّة، ولم يأتِ مَفعِل بكَسرِ العين في الصَّحيحِ من مَصادرِ الثُّلاثِيَّات من الأفْعالِ وأسْمائِها ممَّا مُستَقبله يَفعَل بالفَتحِ، إلَّا مَكْبِرَ من الكِبْرِ ومَحمِدةَ من الحَمدِ، وفي المُعتَلِّ غير الصَّحيحِ مَعصِية، ومَأوِي الإبل، هذه الأرْبَعةُ، وسِواها مَفعَل بالفَتحِ في الصَّحيحِ وكثيرٍ من المُعتلِّ ممَّا عين فِعْله ياء، وقد حُكِي في جميعِ ذلك الفتحُ والكسرُ كُنَّ مَصادِرَ أو أسْماءً.
فَصلٌ في (أَوْ) كذا بالإسْكانِ أو (أَوَ) كذا بالفَتحِ
١٠٥ - فاعلم أنَّه متَى جاءَت هذه الصِّيغةُ على التَّقريرِ أو التَّوبيخِ أو الرَّدِّ أو الإنْكارِ أو الاسْتِفهام كانت مَفتُوحةَ الواو، وإذا جاءَت على الشَّكِّ أو التَّقسيمِ أو الإبْهامِ أو التَّسويةِ أو التَّخييرِ أو بمعنَى (الواو) على رأي بَعضِهم (أو) بمعنى (بل) أو بمعنى (حتَّى) أو بمعنى (إلى)، وكيف كانت عاطِفَة، فهي ساكِنَة.
فمما يُشكِل من ذلك في هذه الأصُول:
قوله في حَديثِ سَعدٍ ﵁ حين قال:«إنِّي لأَراهُ مُؤمِناً، فقال ﵇: أَوْ مُسْلِماً»[خ¦٢٧] هذه بسُكُونِ الواو على معنَى الإضْرابِ عن قوله والحُكم بالظَّاهرِ، كأنَّه قال: بل قُل مُسلماً ولا تَقطَع بإيمانِه، فإنَّ حقِيقَة الإيمان وباطنَ الخَلْقِ لا يعلَمُه إلَّا الله، وإنَّما تَعلَمُ الظَّاهرَ وهو الإسْلام، وقد تكون بمعنى الَّتي للشَّكِّ؛ أي: لا تقطَع بأحدِهما دون الآخرِ، ولا يصِحُّ فتحُ الواو هنا جُملَة.
ومِثلُه قوله لعائشةَ ﵂ حين قالت:(عُصفُور من عَصافيرِ الجنَّة): «أَوْ غَيرَ ذلكَ» بالسُّكون؛ أي: لا تَقطَعي على ذلك،