عليهم، وسألوا النَّبيَّ ﵇ في الدُّعاءِ في رفعِ ذلك عنهم، فالله أعلم، ويكون له هذا وجهاً حسناً ويطابقُه، وتشهَدُ له صفةُ الحالِ، أو يكونُ «وبَلَتْنا» أي: أمطرتنا مطراً وابلاً، يقال: وَبَلَتِ السَّماءُ وأَوبَلَتْ، أو يكون «ملَتنا» بالتَّخفيف، من الامتلاء، فسُهِّلَ، وكذا عند التَّميميِّ:«فملأَتْنا» أي: أوسعَتْنا سَقياً ورِيَّاً.
وفي حديث المُستحاضة:«ومِرْكَنُها مَلآنُ دماً» كذا عند التَّميميِّ، وعند غيره:«مَلأى» والأوَّل الصَّوابُ.
[الميم مع الميم]
١٢٥٠ - (م م) قوله: «وكان رسولُ الله ﷺ إذا نزلَ عليه الوحيُ ممَّا يحرِّكُ به شفتَيه» كذا ذكرَه البخاريُّ * [خ¦٥]، وفي مسلمٍ:«وكان كثيراً ممَّا يرفعُ رأسَه إلى السَّماءِ» معناه: كثيراً ما يحرِّكُ به شفتَيه، وكثيراً ما يرفَعُ رأسَه، ومثلُه قولُه في الحديثِ الآخرِ في كِراءِ المزارعِ:«فمِمَّا يُصابُ ذلك وتَسلَمُ الأرضُ، وممَّا يُصابُ الأرضُ ويَسلَمُ»[خ¦٢٣٢٧] هذه بمعنى ذلك أيضاً، وهي كلمةٌ صحيحةٌ بيِّنةٌ في هذا الحديث، ونحوٌ منه في العبارةِ أيضاً في مسلمٍ:«كان ممَّا يقولُ: مَن رأى منكم رُؤيا» قال ثابتٌ في مثل هذا: كأنَّه يقولُ: هذا من شأنِه ودَأبِه، فجعلَ «ما» كنايةً عن ذلك يريد، ثمَّ أدغمَ النُّونَ، وقال غيُره: معنى «ممَّا» هنا بمعنى (ربَّما)، وهو من معنى ما تقدَّم؛ لأنَّ رُبَّما تأتي للتَّكثير أيضاً، وقد ذكرنا ذلك في بابه.
في فتحِ مكَّةَ في مسلمٍ:«وكان أبو هريرةَ ممَّا يكثِرُ أن يدعوَنا إلى رحْلِه».
وفيه في حديثِ: النُّجومُ أمنةُ السَّماءِ: «وكان كثيراً ممَّا يرفعُ رأسَه إلى السَّماء» تكون «ممَّا» هنا بمعنى «ربما» التي للتَّكثيرِ، وقد تكون فيها زائدةً.
الميم مع النُّون
فصلٌ في الفرقِ بين (مَنْ) و (مِنْ) في هذه الكتب، وبيان ما أشكلَ من ذلك واختلفتْ فيه الرِّوايةُ.
١٢٥١ - اعلم أنَّ (مَن) بالفتح من الألفاظِ المبهَمةِ، ولا تأتي إلَّا اسماً، ولا تقعُ إلَّا لمن يعقِلُ، ولها ثلاثةُ معانٍ: الشَّرطُ، والاستفهامُ، وتأتي خبراً موصولةً بمعنى: الذي، ولا تنفكُّ في معانيها الثَّلاثةِ من تقدير: الذي، وهي في الشَّرطِ والجزاءِ مستغرِقةٌ لعموم جنسِ ما وقعت عليه، والاسمُ بعدها مرفوعٌ، وكذلك الفعل المضارعُ، وفي الشَّرطِ والجزاءِ مجزومٌ.
وأمَّا (مِن) بالكسر: فحرفُ جرٍّ لا يليه إلَّا الاسمُ المجرورُ به، وله معانٍ أشهرُها وأبينها: التَّبعيضُ، ولا ينفكُّ أكثرُ معانيها من شوبٍ منه، وتأتي (مِن) مكانَ البدلِ، تقول: كذا مِن كذا؛ أي: بدَله، وقيل ذلك في قولِه ﷿: