قوله:«مَئِنَّةٌ من فِقهِ الرَّجُلِ» كذا رَويناه عن أكثَرِهم ومُتقنِيهم في «الصَّحيحِ» وغَيرِه من كتُب الحديثِ والشُّروح بقَصرِ الألف المَكسُورةِ ونُونٍ مُشدَّدة وآخره تاء مُنوَّنة، وقد خلَط فيها كثِيرٌ من الرُّواةِ بألفاظٍ كلُّها تَصحِيفٌ ووَهمٌ، وكان في كتاب شَيخِنا القاضي أبي عليٍّ والفَقيهِ أبي محمَّدِ بنِ أبي جَعفرٍ:«مائِنةٌ» بالمَدِّ، وبعضُهم يقولُه بهاءِ الكِنايَة، كأنَّه يجعَل (ما) بمعنَى الَّذي و (إنَّه) للتَّأكيد، وكلُّه خطَأ ووَهمٌ، والحرفُ مَعلُوم محفُوظٌ على الصَّوابِ كما قدَّمناه.
قال أبو عُبيدٍ عن الأصمَعيِّ: مَعنَاه مَخلَقَة ومَجدَرَة وعَلامَة كأنَّه دَال على فِقْه الرَّجُل وحقِيقٌ بفِقْه الرَّجُل، وهذا كلامٌ جمَع تَفسِيرَين ولفَّ مَعنيَين؛ لأنَّ الدَّلالةَ على الشَّيءِ غيرُ ما يستَحِقُّه ويلِيقُ به.
وقال غيرُه: المَئِنَّةُ للشَّيءِ الدَّليلُ عليه، وقيل: مَعنَاه: حقِيقَةٌ.
والميمُ فيه زائدَة عند الخَطَّابيِّ والأزهريِّ وغَيرِهما ميم مَفعَلة، وهو نحو ما ذهَب إليه الأصمعيُّ في أحد تَفسِيرَيه المُختَلط بقوله: مَخلَقة ومَجدَرة، وقال لي شيخُنا أبو الحُسينِ عن أبيه: هي أصلِيَّة، ووَزْنُها فَعِلَة من مَأَنْت إذا شَعَرْت؛ أي: إنَّها مُشعِرَة بذلك، وهذا على أحد تَفسيرَي الأصمعيِّ في قوله: عَلامَة.